الأحد، 12 مارس 2017

خنجـر في غرب مصـر بقلم الكاتب / حسن زايد




خنجـر في غرب مصـر

كان لدينا شعاراً في مصر ، جري صكه في أواخر ستينيات ، وأوائل سبعينيات القرن الماضي ، وصاحبنا هذا الشعار لما يزيد عن ست سنوات متتالية . هذا الشعار هو شعار: " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " . دعك من الإنتقادات الحادة اللاذعة التي تعرض لها هذا الشعار ـ سواء في حينه ، أو بعد وفاة صاحبة ـ وهي انتقادات قد تبدو وجيهة ، ممن لم تعفر أقدامهم ووجوهم أتربة المعارك وأدخنتها . ويجلسون في الصالونات ذات الفرش المخملية ، والكراسي الوثيرة ، يدخنون السيجار ، وتتدلي من فوق رؤوسهم الثريا ، التي يغشاها الدخان الملون . وذلك ليس بالضرورة علي هيئة التجسيد الواقعي ، أو الصورة الحية ، وإنما قد يمتد إلي الصورة الذهنية التخيلية . فقد ذهب منتقدو هذا الشعار إلي أنه في ظله لم يكن يُسمح حتي بالهمس في قضايا كثيرة ، تتعلق بالسياسة والإقتصاد ، وأزمات المجتمع ومشاكله . في حين أنه قد يُنظر إلي هذا الشعار باعتباره ، حالة من حالات التعبئة العامة ، التي تلزم المجتمعات في مواجهتها للكوارث ، وعلي الأخص كوارث الحروب . وقد تفاجأت مصر باحتلال سيناء ، وإغلاق الملاحة بقناة السويس ، ونحن لا نبحث عن أسباب الهزيمة ، ولكن باحتلالها خطت اسرائيل خطوة كبري ، في سبيل تحقيق حلمها التوسعي ، من النيل إلي الفرات . فكان لابد من إعلان التعبئة العامة . وأنا هنا لا استدعي هذا الشعار من بطون التاريخ لإعمال تداعياته علي الواقع الراهن . وإنما فقط للتذكير بأن الأمم تمر بفترات استثنائية في تاريخها ، تقتضي منها ، الخروج من حالة الغفلة ، إلي حالة اليقظة التامة الدائمة ، ومن حالة الإسترخاء إلي حالة الجدية ، والتشمير عن السواعد ، ومن حالة الإستغراق في اللعب إلي حالة الإنغماس في العمل إلي الأذقان . وتفريغ مؤسسات الدولة إلي العمل في الإتجاه الصحيح ، الذي يهدف إلي صيانة الكيان ، والحفاظ علي الوجود ، بدلا من شغلها بسفاسف الأمور، وتوافه القضايا ، والقضايا التافهة . ومصر تواجه منذ أحداث يناير 2011 م مؤامرة دولية طاحنة ، تتضافر فيها جهود وطاقات جماعات داخلية ، وقوي خارجية عربية ، وإقليمية ، ودولية ، وتقودها أجهزة اساتخباراتية . ضرب الإقتصاد ، والسياحة ، والسعي إلي إشعال الفتنة الطائفية ، والأعمال الإرهابية داخل البلاد ، ثم معارك سيناء ، حيث يواجه الجيش والشرطة ، حرب عصابات ، سواء في الشوارع أو داخل الكهوف ، والأنفاق . ورغم الإنتصارات التي تحققها قواتنا في سيناء ، وعلي الأخص في منطقة جبل الحلال ، إلا أن هناك مخاطر ناجمة عن الإنتصارات التي تحققها القوات العراقية والسورية علي هذه الجماعات ، تتمثل في احتمال فرار عناصرها إلي سيناء ، عبر الأنفاق ، والحدود المشتركة مع الكيان الصهيوني . هذا بلإضافة إلي استهداف العناصر المسيحية ـ وقد حدث ، ولا يوجد ما يحول دون تكراره ، بقصد إثارة الفزع الدولي ، وهذا يسهم في الترويج للتدخل الدولي بقصد حماية المدنيين ، واغتيال بعض القيادات القبلية بقصد إشعال ـ بقتل شيخ تجاوز التسعين عاماً ـ أتون حرب أهلية في سيناء ، وإطلاق صواريخ علي الجانب الإسرائيلي ـ وقد حدث ـ بقصد إحراج النظام المصري . ثم نجد من يشكك في ذلك ، ليس من أعداء الخارج ، وإنما من أبناء الوطن ، الذين يصورون ، أو يتصورون أن كل كل ما يجري ، ماهو إلا أفلام ، وتمثيليات ، لتمرير إجراءات ، وسياسات معينة ، ولا نصيب لها من الواقع ، ويتم الترويج لذلك علي نطاق واسع . ونحن لا ننتبه كجبهة داخلية تمثل الظهير الشعبي اللازم لقواتنا المصرية إلي المخاطر المحدقة ، التي تطوق مصر شرقاً وغرباً وجنوباً . ويبدو كذلك أن جبهتنا الداخلية في غفلة عما يحدث علي الجبهة الغربية في ليبيا ، فقد قامت كل من قطر وتركيا بإدخال كميات هائلة من الأسلحة للمليشات المسلحة هناك ، بقصد مواجهة الجيش الليبي بقيادة حفتر ، واستعادة منطقة الهلال النفطي من قبضته ، وبذلك تضرب هدفين : الأول ـ سحب أحد مصادر التمويل للسلطة الشرعية في البلاد . الثاني ـ استغلال الناتج النفطي في تمويل الجماعات . وهذا يفضي إلي تقوية شوكة المليشيات ، وإضعاف وتفكيك الجيش الليبي ، لصالح مشروع إسقاط الدولة الوطنية . وعلي المستوي السياسي وجه الإخوان دعوة للجزائر لتبني مؤتمر وطني للمصالحة ، بديلاً عن الدور المصري ، يحفظ للإخوان والميلشيات دوراً في المستقبل السياسي للدولة الليبية . والإقتتال الدائر الآن في منطقة الهلال النفطي ، ما هو إلا محاولة لنسف مشروع التسوية السياسية ، وإفشال الدور المصري الرافض لأي تصعيد عسكري بين الفرقاء . والمقصود من وراء ذلك ، زراعة نظام معادي للنظام المصري علي حدوده ، لا يجعلها تنعم بالإستقرار بحال ، وحرمانها من المشاركة الفاعلة في الملفات الملتهبة في المنطقة ، كالملف السوري ، واليمني ، والعراقي ، والفلسطيني ، بإشغالها بنفسها ، وبالخنجر الغروز في غربها .
حــســـــــن زايـــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق