الاثنين، 27 مارس 2017

مـواقـع الـتـواصـل الإجـتـمـاعــي بقلم الكاتب / حسن زايد



مـواقـع الـتـواصـل الإجـتـمـاعــي
وتـأثــيراتـها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية

بالمشاهدة المباشرة ، نستطيع تأكيد وجود تأثيرات إجتماعية ، وإقتصادية ، وسياسية ، لمواقع التواصل الإجتماعي . والأمر ليس في حاجة إلي استنتاج أو استنباط ، وإنما فقط استقراء صفحات هذه المواقع . وقبل الحديث عن هذه التأثيرات ، نود الإشارة إلي أهمية التفرقة بين مداها وعمقها ، في مجتمع دون آخر ، وفي المجتمع الواحد من وقت إلي آخر ، وذلك بفرض ثبات العوامل الأخري . إذ ربما لا يكون لهذه المواقع ذات التأثيرات في المجتمعات الغربية ، التي اعتادت الإنفتاح والحرية ، في الفكر والإعتقاد ، والسلوك المنضبط داخل منظومة قيمية معينة ، تتسم بالمرونة ، والقدرة علي الإستيعاب ، فتكون رؤية هذه المجتمعات لمواقع التواصل رؤية مختلفة إلي حد بعيد ، بما يقلل من تأثيراتها المحتملة . بينما تشكل هذه المواقع حالة الإنفتاح الوحيدة ، التي أطلت منها مجتمعات أخري ، بعد حالة الإنغلاق الفكري ، والجمود السياسي ، وهيمنة المنظومة القيمية الحاكمة ،التي هيمنت علي مدار قرون ، دون مرونة استيعابية ، لمستجدات العصر ، ومستحدثاته . فلا ريب أن حالة الإنفتاح والحرية المفاجئة ، كانت بمثابة الصدمة ـ النفسية والعصبية والفكرية ـ التي أصابت هذه المجتمعات المنغلقة ، فاهتزت لها الأعمدة الرافعة ، والثوابت الراسخة ، لمنظومة القيم الحاكمة فيها ، مما كان له الأثر البالغ علي المناطق الرخوة فيها ، وأدي إلي حالة الإنفلات التي تحياها هذه المجتمعات في الوقت الراهن . فعلي مستوي التأثيرات الإجتماعية ـ دون أن نغفل ما يصاحبها من تداعيات نفسية ـ سنجد أنها وإن كان لها جوانبها الإيجابية ، التي يمكن أن تتمثل في توسع وانتشار العلاقات الإجتماعية علي امتداد الكرة الأرضية ، وما يخلفه ذلك من إثراء فكري ومعرفي ونفسي . إلا أن لها من الجوانب السلبية ما لا يكاد يحصي . من بين هذه التأثيرات ، تأثيرات علي مستوي العلاقات الفردية ، وأخري علي مستوي العلاقات الأسرية . أما علي المستوي الفردي ، فسنجد أنها غيرت العديد من المفاهيم بتغيير دلالاتها ، كمفهوم الصداقة ، والحب ، والصدق . إذ أنها سطحت هذه المفاهيم تسطيحاً مخلاً ، وربطت وجودها من عدمه ، بأسباب متعلقة بالعالم الإفتراضي ، الذي قد لا يمت للواقع بصلة . الأمر الذي تولد عنه جو ملبد بغيوم من عدم الثقة ، وعدم المصداقية ، في الأقوال والتصرفات ، والهروب من وطأة العلاقات الواقعية ، وما تفرضه من التزامات ، إلي العلاقات الإفتراضية المتحللة من أي التزام ، علي سبيل التعويض النفسي والإجتماعي . أما علي المستوي الأسري ، فقد ضربت هذه المواقع الأسرة ـ النواة الأولي للمجتمع المتماسك ـ في مقتل ، حيث أنها نجحت بامتياز ، في عزل أفراد الأسرة عن بعضهم البعض ، وتغريبهم عن واقعهم ، وما يفرضه من واجبات والتزامات ، وتمزيق أواصر التقارب ، والتناغم ، والإنسجام ، والتراحم ، والتواد . وهذا ما تختلف فيه مجتمعاتنا عن المجتمعات الغربية . هذا التفسخ في الأواصر علي مستوي الأسرة الواحدة ، يشتمل بالضرورة علي التفسخ الذي يصيب العلاقات بين الأسر بعضها البعض . أما علي مستوي التأثيرات الإقتصادية ، فإن هذه المواقع قد خلقت حالة من النشاط الوهمي الإفتراضي ، إذ أن كافة الأنشطة التي يمارسها الإنسان أثناء تعامله مع هذه المواقع ، هي أنشطة ذهنية ، خيالية ، أو تصورية ، تستنفذ الوقت والجهد ، في اللانشاط ، أو في اللاشئ ؛ لأن المحصلة الإقتصادية في الغالب ، وفي نهاية المطاف محصلة صفرية . فإذا انتقل الإنسان فعلياً من العالم الإفتراضي إلي الواقع الفعلي ، الذي يستلزم تضافر النشاط الذهني والعصبي والحركي في آن معاً ، وجد نفسه مجهداً جسدياً ، ومرهقاً نفسياً ، ومكدوداً ذهنياً ، ويغالب النعاس أثناء العمل . وفي النهاية لا تكون لديه القدرة علي إنجاز ما يسند إليه من اعمال بالكفاءة والفاعلية المطلوبة . ولا شك أن ذلك ينعكس سلباً علي الأداء الإقتصادي للدولة ككل . وليس التأثير السلبي هنا قاصراً علي الجانب الإقتصادي المرتبط بالعمل فحسب ، وإنما يمتد إلي جوانب أخري كالتعليم والدراسة والبحث والتحصيل العلمي . وأخيراً علي مستوي النشاط السياسي ، فإن هذه المواقع ، تحت دعوي الحرية والديمقراطية ، والبعد عن المراقبة والمتابعة ، أحالت الأنشطة السياسية آداءًا وأشخاصاً ، إلي شياطين . وشيطنة النشاط السياسي ، تدفع بالعاملين في الحقل العام ، إلي النأي بأنفسهم عن تلويث السمعة ، والإغتيال الأدبي والإجتماعي ، الذي يتعرض له العامل في هذا الحقل . ولا ريب أن تلفيق وفبركة ، القصص والحكايات ، التي تمس الشرف والأمانة ، والذمة المالية ، والأعراض من المسائل التي تطفح بها هذه المواقع ، وتجعل السياسي يمشي حافياً علي الأشواك ، أو علي قطع الزجاج المكسر . وهذا يساهم بشكل فاعل علي الصعود السياسي لبعض الوجوه الوصولية ، غير الكفؤة ، التي تتسم بالإنتهازية والفساد ، ولا تشغلها مسائل الشرف والكرامة والأمانة . وعلي هذا المستوي دخلت علي الخط في منافسة غير منضبطة ، وسائل الإعلام الأخري ، من شاشات فضية ، إلي صحف ورقية والكترونية ، كي تزيد الطين بلة . ومن هنا فأنا أدعو علماء الإجتماع ، وعلماء الإقتصاد ، وعلماء السياسة ، وعلماء النفس ، وكبار المفكرين ، إلي دراسة هذه الحالة دراسة ميدانية متأنية ومعمقة ، حتي يجري تشخيص المرض علي نحو دقيق ، ووصف الدواء الناجع له ، قبل أن تتحلل المجتمعات ، وتذوب الدول ، وتنهار منظومة القيم الحاكمة . فهل نحن فاعلون ؟ ! .
حــســــــن زايـــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق