الأربعاء، 22 مارس 2017

إغـتـيـال آيـنـشــتاين الـعـرب بقلم الكاتب / حسن زايد






إغـتـيـال آيـنـشــتاين الـعـرب

قلنا من قبل أن علماء مصر ، والعرب مستهدفون ، ومعظمهم ـ إن لم يكن جميعهم ـ كانت نهاياتهم في ظروف يلفها الغموض ، ويتواكب مع نهايتهم إختفاء إنتاجهم العلمي المتميز . كما ترتبط نهاياتهم بقرارعودتهم إلي بلادهم . ويبدو أن الهدف لا يقتصر فقط علي التصفية الجسدية ، والإغتيال المعنوي لهؤلاء العلماء ، وإنما يمتد إلي اغتيال البلاد التي ينتمون إليها ، بحرمانها من نتاج أفكار أبنائها ، وعبقريتهم الفذة ، حتي تبقي هذه البلدان تابعة لهم علي الدوام ، عيلة عليهم . ومن بين هؤلاء العلماء الأفذاذ ، عالم رياضيات وفيزياء مصري ، نبغ في سن مبكرة ، وكانت له نظريات جديدة كانت سبباً في شهرته عالمياً . حصل علي الشهادة الإبتدائية عام 1907م ، وكان ترتيبه الأول علي القطر المصري . ومن المفارقات العجيبة ، وتدابير القدر ، وفاة والده في نفس العام . وانتقل بذلك من كفالة الأب ، إلي كفالة الرب . ليس هذا فحسب ، وإنما وجد نفسه وهو لا يزال طفلاً ، لم يجاوز ألإثني عشر ربيعاً ، مسئولاً عن أمه ، وإخوته الأربعة . والطريف أن حياته ترد علي من قال أن الإسلام سبباً للتخلف والجهل في حياة العرب والمسلمين ، لأنه حفظ القرآن صغيراً ، وكان يحفظ الصحيح من الأحاديث النبوية ، مقيماً لشعائر دينه . وربما يذهب الخيال بالبعض إلي القول ، بأن معظم من كان هذا حاله صغيراً ، يخلع عن عقله تلك العباءة الثقيلة كبيراً ، مع بزوغ عبقريته ، ولكن صاحبنا طارد هذا الخيال المريض ، ببزوغ عبقريته ، مع ملازمته لمرجعيته الدينية ، طوال حياته . وقد حصل صاحبنا علي شهادة البكالوريا ، في ثلاث سنوات بدلاً من أربعة ، وكان ترتيبه الثاني علي القطر المصري ، وكان له من العمر 16 عاماً ، وقد توفيت والدته بعد حصوله عليها . ورغم تفوقه ، وخاصة في المواد العلمية ، لم يهرول إلي كلية الطب أو كلية الهندسة ، وإنما اختار الإلتحاق بمدرسة المعلمين العليا . تخرج بعد ثلاث سنوات فقط بالمرتبة الأولي ، فاختارته وزارة المعارف العمومية إلي بعثة علمية علي نفقتها إلي بريطانيا . وأثناء وجوده بالخارج اندلعت ثورة 1919م ، فكتب إلي أحد أصدقائه ـ دون أن ينشغل بذاته أو يتمحور حولها ـ برغبته في العودة للمشاركة في الثورة ، فرد عليه صديقه : " نحن نحتاج إليك عالماً أكثر مما نحتاج إليك ثائراً ، ويمكنك أن تخدم مصر في جامعات إنجلترا ، أكثر مما تخدمها في شوارع مصر " . هذا الصديق هو محمود فهمي النقراشي ، الوزير ورئيس الوزراء في العهد الملكي ، الذي اغتالته يد الإرهاب الإخواني . لقد وافقت وزارة المعارف ـ انصياعاً لرغبة اساتذته ـ في متابعة صاحبنا دراسته في لندن ، فالتحق بالكلية الملكية عام 1920م ، وحصل علي الدكتوراه منها في فلسفة العلوم عام 1923م ، تحت إشراف العالم الفيزيائي الشهير تشارلز توماس ويلسون ، الحاصل علي جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927م . وحصل صاحبنا علي الدكتوراه في العلوم عام 1924م ، التي لم يتمكن من الحصول عليها سوي 11 عالماً علي مستوي العالم في ذلك الوقت ، رغم أنه لا يتم التقدم إليها إلا بعد عامين من الحصول علي الدكتوراه في فلسفة العلوم ، وقد كان مشرفاً عليها أستاذه السير ريتشاردسون أكبر علماء الطبيعة في عصره . عاد بالأمر إلي مصر ، وعين مدرساً للرياضيات في كلية المعلمين العليا ، فلما افتتحت جامعة القاهرة عام 1925م ، عمل بها استاذاً مشاركاً في الرياضيات التطبيقية في كلية العلوم ، وقد اعترض قانون الجامعة منحه درجة الأستاذية ، التي حصل عليها عام 1926م ، باعتباره دون سن الثلاثين ، فقد كان عمره هو 28 عاماً . انتخب صاحبنا عميدا ًلكلية العلوم عام 1936م ، فكان أول مصري يتولي عمادتها . منحه الملك فاروق لقب الباشاوية ، وقد تتلمذ علي يده نخبة من أشهر علماء مصر . كرمته بريطانيا بإنشائها منحة تعليمية لدراسة الدكتوراه تحت اسمه واسم نيوتن . كان له أبحاث حول تطبيق فروض وقواعد ميكانيكا الكم ، وهو أول من قام ببحث لإيجاد مقياس للفراغ ، ووضع نظرية الإشعاع والسرعة ، وهي السبب الرئيس في شهرته ، وهو من وضع نظرية تفتت الذرة ، ووضع نظرية تفسير الإشعاع الناتج عن الشمس . وكانت له مؤلفات عديدة في المجالين الرياضي والكيميائي . صاحبنا هو الدكتور / مصطفي مشرفة .. آينشتاين العرب ، الذي نعته الإذاعه الأمريكية بقولها : " واحد من سبعة علماء في العالم يعرفون أسرار الذرة " . عندما علم البرت آينشتاين بخبر وفاته صرخ قائلاً : " كلا .. كلا ، لا تقولوا أن مشرفة مات .. إنها خسارة جسيمة " . وقال عنه: " لقد كان الدكتور مشرفة موسوعة بشرية، حوت الكثير من النبوغ الذي قلَّ مشابهته في العالم بأسره " . وقد نعاه بقوله : " لا أصدق أن مشرفة قد مات، إنه لا يزال حياً من خلال أبحاثه " . توفي دكتور مشرفة في 15 يناير 1950 م عن عمر يناهز 52 عاماً ، إثر إصابته بأزمة قلبية . وهناك شكوك حول وفاته ، حيث يعتقد بأنه قد دس له السم . فقد ذهب البعض إلي اتهام الملك فاروق ، استناداً إلي أن الدكتور مشرفة قد قام بتشكيل جماعة سرية ، تضم عدداً من العلماء والمثقفين والطلاب تحت اسم " شباب مصر " ، تهدف إلي قلب نظام الحكم ، وقد انكشف أمر هذه الجماعة السرية ، ووصلت إلي القصر الملكي ، وقد كان ذلك سبباً كافياً لاغتياله . وذهب البعض الآخر إلي اتهام الصهيونية العالمية ، استناداً إلي ما فعلته مع تلميذته الدكتورة سميرة موسي . بينما نفي شقيقه الروايتين قائلاً بأن الدكتور مشرفة مات علي فراشه . ولا تزال الظروف التي مات فيها الدكتور مشرفة غامضة . رحم الله دكتور مشرفة رحمة واسعة لقاء ما قدم .
حــســــــن زايــــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق