الأحد، 19 يونيو 2016

( طه حُسَين بَين الحُبِّ والكرَاهِية..) بقلم الشاعرة/ سلوى متولي




مقالة بعنوان ( طه حُسَين بَين الحُبِّ والكرَاهِية..) بقلم الشاعرة/ سلوى متولي

باحثة دكتوراه ، لغة عربية (أدب ونقد)
كلية الآداب، جامعة القاهرة

كلما صعدت درجات السلم في كلية الآداب، التقيت بتمثال طه حسين أمامي ، ولكني قبل أن أراه يبدأ الحوار بيننا، نعم أخاطبه في نفسي، تارة بالقسوة ، وتارة بالضحك والمداعبة، وتارة بالغضب، وتارة بالاعتذار ؛ فكم مرة دخل فيها أحد الأساتذة يشرح لنا مدى ضلال هذا الرجل وأنه قد شك في صحيح الدين ..وكيف تأثر بالغرب لحد تطبيقه المذهب الديكارتي في كل شيء.....كنت أخرج من كل محاضرة للأدب ونفسي تزداد كراهية له، فكم تخيلت منذ صغري أن الجامعة حرم مقدس ، وكم كانت تذهب نفسي لخلع الحذاء قبل الدخول إليها، وكم كنت أسمع لأستاذي وكأنه نبي مُرسل، إلا أنني حين وصلت للماجستير قد اصطدمت بالحقيقة، فقد حرر أستاذي ما بعقلي من فكر ضيق، وأرشدني لقاعدة ثابتة ( اختلفي أو اتفقي مع أي شخص لا لأجل الاختلاف أو الاتفاق بعينهما، لكن لقواعد منطقية مبرهنة لا تعتمد على هوى النفس)، في ذلك الوقت اكتشفت أني أبدأ طريقي من الصفر، وعدت أبحث في شأن ذلك الرجل الذي ظلمته وظُلِمتُ معه، فاكتشفت الحقيقة المرة، العلم في بلادنا ليس سويا دائما...
.......................................
عدت أعتذر لطه حسين وكلما ثَبُتُّ على رأي مختلف وجدت الانتقاد، فأمرُّ على تمثاله أداعبه..رجاءً أعتقني لوجه الله، ليس بالضرورة أن تتعمد تشبهني أينما ذهبت..فقد عشقت العصر العباسي، فأينما وليت وجهي، وجدت طه حسين أمامي، يدرس ويحلل بقمة المنطقية ومنتهى الصفاء النفسي، وبقدر كبير من الاعتدال يصعب على أي ناقد مكانه أن يصل إليه...
.....................................
فتعدت حكايتي معه ، مجرد وقت للمرور أمام التمثال، وكلما غصت في ثنايا التاريخ الأدبي، توغل فكر طه حسين في نفسي، وبدأت أتعجب في كل موقف وكل فكرة، من أين له بتلك الجرأة على مواجهة التيار الذي يخالفه بعنف،وكأن هؤلاء قد تحولوا إلى أنصاف آلهة تدعي لنفسها الكمال، وتنسى في كل مرة أن طه حسين في النهاية إنسان...
...................................
واكتشفت مع الزمن حقائق عدة، فالجهل هو الداعي الأول لهذا النقد الجائر، بالإضافة لتلك الجهالة النفسية المتمثلة في الحقد والغيرة، فقد تزعم هؤلاء النقاد إبليس، ثم أبالسة الإنس الذين خالفوا الأنبياء، والأتقياء، ثم العلماء..
...............................
إذن فالعلم يحتاج لقلب محب للخير، ونفس صافية، تعطي كل ذي حق حقه، تنطق بالحق، وتنقد بالعدل ، والحقيقة رغم قسوة الحياة وظلمتها وظلامها على طه حسين ، إلا أن الله قد منحه بصيرة نافذة، عمي المبصرون عن الوصول إليها. ليس هذا يعني أنني لم أختلف معه قليلا ، فأحيانا أغضب منه ، لكن سرعان ما يزول هذا الغضب حينما أقرأ له بعض الجمل التي تعني احتمال الرأي لا تعمده، أو تلك التي يعترف فيها بحبه لشاعر، وبغضه لآخر، ورغم ذلك يحاول الوسطية فيجيد..
..............................
ونجد أنفسنا سواء اتفقنا أو اختلفنا مع طه حسين، إلا أننا لابد أن نعترف أنه إنسان، نجح في هزيمة صعوبات الحياة،ألَمَّ بثقافة كانت أكبر من حجم ناقديه، فضاقت أفكارهم أمام اتساع فكره،الذي هو محل الدراسة حتى الآن تتوه في ثناياه العقول، وتنبهر بعمقه الألباب وتسحر من بلاغته القلوب.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق