السبت، 18 يونيو 2016

الإلــحــاد و حـقـيـقــتــه كتب / حــســـن زايــــــــد

الإلــحــاد و حـقـيـقــتــه
كتب / حــســـن زايــــــــد
الله : عَلَم على الذَّات العليَّة الواجبة الوجود بذاتها ، الجامعة لصفات الألوهيّة ، وهو أوّل أسمائه سبحانه ، وأعظمها . وينطق باللاّم المفخَّمة ما لم تسبقه الكسرة أو الياء ، وإلا نطق باللام المرققة . أصله إله ، دخلت عليه أل ، ثم حذفت همزته ، وأدغم اللامان ، فصارت الله . والإله كل ما اتخذ معبوداً بحق أو بغير حق . والإله اسم من أسماء الله الحسني ، ومعناه : المعبود الحق . ألَهَ الرَّجُلُ : عَبَدَ . أَلِهَ إلَيْهِ : لَجَأ إلَيْهِ . أَلَّهَهُ : اتخذه إِلهًا . ألَّه شخصًا : عدَّه إلهًا أو نزَّله منزلة المعبود . الإيمان بوجود إله : الاعتقاد القلبي والعقلي بوجود إله لهذا الكون . ولفظ الجلالة الله هو الإسم الذي تحدي الله به البشرية كلها (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، فلم يجرؤ بشر أن يسمي نفسه أو ابنه " الله " . والله موجود ، وإنكارنا لوجوده لا ينفي عنه الوجود ، وتبقي المشكلة لدينا نحن ، والعطب في عقولنا ، وفي أجهزة الإستقبال لدينا عن الله . فقد ذهب بعضنا إلي أنه يمكنه تصور الله ، أو يمكنه تخيله ، أي إخضاع الذات الإلهية لإدراكه ، متناسياً بذلك أنه يسعي إلي تحويل القادر ـ وهو الله ـ إلي مقدور ، وتحويل المقدور ـ وهو الإنسان ـ إلي قادر . وتبادل الأدوار لا يصح عقلاً ، فلا يصح أن يتحول الإله إلي إنسان مقدور، ولا يصح أن يتحول الإنسان إلي إله قادر ، لأن الله قديم أزلي لا بداية له ، والإنسان حادث له بداية ، كان قبلها عدماً ، يحتاج إلي موجد له ، وهو ما لايصح في حق الله . ومن هنا أخبرنا إلهنا بأنه : " ليس كمثله شيء " أي أنه : بخلاف كل ما يخطر علي بالنا . وآفة عصرنا انتشار ظاهرة الإلحاد ، وخاصة بين الشباب ، بدعوي أن الأديان ردة إلي الخلف ، ولم تعد مناسبة لروح العصر . والإلحاد هو الكفر بكل الأديان وعدم الاعتراف بها ولا بوجودها . ألحد فلان : عدل عن الحق ، وأدخل فيه ما ليس منه . وألحد في الدين : طعن فيه . ألحد الشَّخْصُ عن الدِّين / ألحد الشَّخْصُ في الدِّين : مال عنه وحاد وطعن فيه ، أشرك بالله :- ألحد الشَّخْصُ عن الحَقّ : عدَل عنه وأدخل فيه ما ليس منه ،{ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءَايَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا } . والإلحاد هو مذهب من ينكر الألوهية ، ويرفض بالتبعية الأدلة العقلية والمادية والنقلية علي وجود الله . فالله من وجهة نظر الملحد غير موجود . ويزعم أنه في ذلك قد استخدم عقله ، بعد أن حرره من كل الخرافات والأساطير التي كبلته .الملحد أنكر وجود الله دون أن يسأل نفسه ـ عقلاً ـ عمن خلق هذا الكون ، الذي طرأ عليه . كان حرياً به أن يسأل عمن أبدع هذا الكون ـ أي خلقه علي غير مثال سابق ـ وهندسه ، ونسقه وفقاً لنظام محكم . لقد وجد الإنسان ـ عقليا وعلمياً ـ بعد وجود الكون ، أي جاء إليه فوجده معداً له ، جاهزاً لاستقباله . فمن الذي أوجد هذا الكون ؟ . جاء الإنسان إلي الوجود ، فوجد الأرض ، ووجد الهواء ، ووجد الماء ، ووجد الأشجار والنباتات والثمار ، ووجد الحيوانات ، فمن الذي أعد له كل هذا ، وسخره لخدمة الإنسان ؟ . يستحيل عقلاً أن يكون الكون قد وجد صدفة ، لأن الصدفة لم تخلق أكواناً أخري . ولو أن الأمور تجري بالصدفة في خلق الكون ، لجرت كذلك فيما هو دون ذلك ، فما ينطبق علي الكل ، ينطبق علي الجزء الذي يندرج تحت هذا الكل ، كما يقول المناطقة ، فلم نجد شيئاً قد وجد صدفة في الكون من حولنا ، وحتي ما كنا نتصور أنه صدفة ، تبين أن له سبباً ، وأنه نتيجة لهذا السبب . ومع أن المسائل داخل الكون تدور دوران العلة والمعلول ، أو المقدمة والنتيجة أو السبب والمسبب ، وهذا يستبعد تماماً القول بالصدفة ، نجد أن الملحد يصر علي القول بالصدفة في قضية الوجود الكوني الكبري ، مع إيمانه الراسخ بانعدامها في الأشياء الصغيرة التي تمس حياته اليومية . وهذا تناقض يقدح في منطقه من أساسه ، ويظهر تهافته . فلو اعتمد منطق العقل ، لكان أولي به اتباع منطق أرسطو ، في نظريته عن المحرك الأول ، والتي ذهب فيها إلي القول بأن كل متحرك ، لابد له من محرك ، يحركه قبل أن يتحرك . فإذا تسلسلنا في سلسلة المحركات ، فلابد من محرك أول يحرك الكل دون أن يتحرك ، هذا المحرك الأول هو الصانع . وأن الكون حادث ، لأنه مركب من أجزاء ، وكل حادث لابد له من بداية ، وكل ما له بداية يحتاج إلي غيره في وجوده ، هذا الغير موجود أزلاً بلا بداية ، وهو غير مركب من أجزاء " قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ، ولم يولد . ولم يكن له كفواً أحد ". ولو اعتمد منطق العلم لأدرك أن العلم قد أثبت أن هذا الكون له بداية ، أي عند لحظة زمنية معينة كان عدماً ، ثم أصبح موجوداً . وكل موجود لابد له من واجد قبل أن يوجد ، فإذا تسلسلنا في سلسلة الموجودات فلابد أن نصل إلي واجد أول ، لا يحتاج إلي غيره في وجوده ، أي واجب الوجود بذاته ، هذا الواجب الوجود بذاته هو الله . ولو أن الملحد أعمل عقله كما يزعم ، ونظر في الكون وتدبر حالة النظام الدقيق الحاكمة للوجود ، لأدرك أن هذا النظام لابد له من منظم وأنه قد جري إعداده علي نحو مسبق ، هذا المنظم المبدع هو الله . والله في وجوده لا يحتاج إلينا ، وإنما نحن من نحتاج إليه في وجودنا ، ونبحث عنه . ولا يضيره سبحانه كفران الكافرين ، ولا ينفعه إيمان المؤمنين . مشكلة الملحد أنه يريد إلهاً بمواصفاته ، إلهاً يلمسه بيده ، ويراه بعينه ، ويشم رائحته بأنفه . إلهاً لا يكون له مطلوبات ولا تكليفات ، ولا منهج حياة قوامه افعل كذا ولا تفعل كذا . إذن هناك أزمة بداخل الملحد ، أزمة الرغبة في التحلل من القيود الشرعية علي قلتها ، وكي يريح وخزات ضميره ، وآنات نفسه اللوامة المخلوقة لله ، يعلن ـ كما فعلها نيتشه من قبل ـ موت الإله ، كي يعيش وهم أنه حر . وهو لا يدري أنه حتي في ذلك عبداً لله رغم أنفه . إذن فمشكلة الملحد ليست في وجود إله من عدمه ـ تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً ـ وإنما مشكلته بداخله .
حــســـــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق