الجمعة، 17 يونيو 2016

مربع ناقص ضلع بقلم الكاتب حسن زايد




المربع وحدة هندسية مساحية ، له أربع أضلاع متساوية ، تقوم بينها أربعة زوايا قائمة . والضلع في الهندسةِ أَحدُ الخطوطِ التي تحيطُ بالشكل الهندسي المربع . فإذا أحضرنا ورقة وقلم ومسطرة ، وجلسنا إلي مكتبنا ، وجعلنا نرسم مربعاً ، لأمكننا ذلك بسهولة . فإذا كتبنا فوق الضلع الأول العلوي الأفقي لفظ الجلالة " الله " ، وكتبنا علي الضلع الثاني الجانبي الأيمن لفظ " القرآن " ، وكتبنا علي الضلع الثالث الجانبي الأيسر لفظ " محمد " ، وكتبنا علي الضلع الرابع الأفقي السفلي لفظ " العبادات " ، ثم جعلنا نفكر فيما يعنيه هذا الشكل ببساطة بعد تسطير هذه الكلمات . لو أخذنا الضلع الأول وهو المسطورعليه لفظ الجلالة " الله " . فلابد أن نكون موقنينً أن الله خالق كل شيء ، حتي يستقيم منطق شكل المربع . فلو أسقطنا هذا الضلع من حساباتنا ، بالكفر والإلحاد ، لانهار المربع وهوي ، إذ لا معني للقرآن ، ولا لمحمد ، ولا للعبادات ، بدون إله . ولكي ندرك أن هناك إله لهذا الكون ، ونؤمن به ، وبوجوده إيماناً جازماً ، فلابد لهذا الإله أن يُعلن عن ذاته ، حتي يجري الفرز بين الإله الحق ، ومدعي الألوهية من البشر . وأن يكون هذا الإعلان بآيات ، أي علامات وأمارات دالة علي نحو معجز . والآيات نوعان : إما آيات كونية دالة بذاتها علي وجود الله ، وهذه الآيات أطلقها الله في الكون . وإما آيات متلوة ـ مَتْلُوّ : اسم المفعول من تَلاَ ، تَلا الكِتابَ : قَرَأَهُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ ـ ينزلها علي قلب نبي أو رسول . فإن أنكرنا ذلك ، لأنكرنا ـ بالضرورة ـ وجود اتصال بين السماء والأرض ، وبالتالي لا تقوم البينة علي وجود إله ؛ لأن انعدام هذا الإتصال يعني استحالة وجود إله في أذهاننا . وهذا لا يستقيم مع الإيمان بالله ، هذا فيما يتعلق بالضلع الأول . ومنه نصل إلي الضلع الثاني المتعلق بالقرآن . إذ لابد من وجود القرآن ؛ لأننا لو أنكرنا وجود القرآن ، وأسقطنا هذا الضلع ، فلا معني للإيمان بالله ، ولا بمحمد ، ولا معني للعبادات . وهنا لا يصح التعبير الدارج ، ربنا عرفوه بالعقل ، لأنه قد ثبت تاريخياً أن العقل وحده لا يكفي لمعرفة الله ، وإنما يلزم مع العقل وحي . فإذا انتقلنا إلي الضلع الثلث وهو لفظ " محمد " ، وتفكرنا في الأمر لأدركنا أن وجوده مرتبط بوجود الضلعين السابقين ، إذ أن محمد يلزمه كي يكون نبياً وجود إله ، هذا الإله يصطفي أزلاً النبي ،ويكلفه بإبلاغ رسالته إلي البشر ويختصه بآيات ومعجزات ، تدفع عنه تشكيك المشككين في نبوته ورسالته ، وتدفع إلي الإيمان به ، وتصديقه . هذه الآيات والمعجزات ، آيات كونية ، نثرها في الكون ، وأجراها علي يديه ، وآيات متلوة وهي القرآن . فهل يصح الإيمان بمحمد دون الإيمان بالله ، والقرآن عقلاً ؟ . المنطق العقلي يفصح عن الإستحالة دون مواربة . وهل يصح الإيمان بالله والقرآن دون الإيمان بمحمد عقلاً ، وأنه النبي المصطفي ؟ . بالقطع لا يصح ، لأن مدعي النبوة عاصروه ، ولم تقم لدعوتهم قائمة ، لأنها مزاعم غير مؤيدة من السماء ، ولا تحمل معها منهج أو رسالة ، علي نحو ما كانت عليه دعوة الحق التي حملها محمد ، وأيدتها السماء بالآيات المعجزات . ومن ثم فهدم ذلك الضلع يعني هدم الضلعين السابقين . أما الضلع الرابع وهو ضلع العبادات فهو ضلع المطلوبات الشرعية ، وقد شرعت لنا علي سبيل الصيانة للجسم والنفس ، وقد طلبها الصانع من صنعته . وهي الدالة علي حبها له ، ليس حب القلب فقط ، وإنما حب القلب الذي تتبعه الجوارح . فإذا سقط هذا الضلع ـ كله أو بعضه أو جزء منه ـ أصبحت دعوي الحب دعوي بغير دليل . والله يريدنا في الإيمان به مختارين ، يريد قلوباً محبة ، ولا يريد قوالب . وبذا يكتمل الشكل الهندسي علي الورق ، مربعاً أضلاعه متساوية ، بينها زوايا قائمة . فلو أنزلنا هذا الشكل الهندسي المثالي / الفرد النموذج ، علي وحدة مساحية علي الأرض ، بقصد عمارة الأرض ، وخلافة الله فيها ، لجوبهنا بنماذج أخري ليست علي شاكلتنا ، نتعامل معها ، ونحتك بها ، ونشتبك مع مفردات الحياة اليومية . فكيف لهذا الفرد النموذج أن يتصرف ؟ . لخصها النبي المصطفي في جملة واحدة ، " الدين المعاملة " . أي : مخالقة الناس بخلق حسن ، والمخالقة : حسن المعاشرة . وليس هذا بالأمر العسير ، فما علينا سوي معاملة الناس بما نحب أن يعاملونا به . ومن هنا يمكننا القول بأن الشكل الهندسي الورقي بمجرد إنزاله علي وحدته المساحية علي الأرض ، إمتلأ الفراغ بين أضلاعه بما يمكن أن نطلق عليه الأخلاق ، التي بدونها يصبح لا معني للإطار المربعي الذي تحدثنا عنه . يقول المصطفي : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . فهل يمكن أن تصح فكرة مربع ناقص ضلع في الأديان ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق