الأحد، 19 يونيو 2016

هـُـوَ مِـنْ عِـنْـدِ الله بقلم الكاتب حسن زايد




هـُـوَ مِـنْ عِـنْـدِ الله
بـقـلـم / حــســــن زايـــــــــد

تستسيغ عقول بعض المثقفين التشكيك في صلاحية القرآن لهذا الزمان . جرياً علي ما فعله المستشرقون حين حاولوا التشكيك في نبوة محمد " صلعم " ، أو التشكيك في أميته ، حتي يُقال أنه قد أخذ القرآن عن غيره . وقد ذهب المستشرقون أيضاً إلي التفتيش في المصحف الشريف ـ الكتاب المقدس عند المسلمين ـ للبحث فيه عن عيب أو نقيصة تقدح في قدسيته ، باعتبار مصدره ، ليستقر في وجداننا ـ كمسلمين ـ أنه ليس من عند الله ، بل هو من عند محمد ـ صلعم ـ . وبدافع من ثقافتنا ، ورغبة في إظهار مفاتنها ، ومفاتتنا ، نذهب ذات مذهب المستشرقين ، ونتبني منهجهم في البحث في بلادنا ، ونؤصل له ، ونعتمده منهاجاً لنا . والقضية هنا ليست قضية دفاع عن القرآن ، ولا عن نبي القرآن ؛ لأنهما ليسا بحاجة إلي دفاعنا ، وإنما دفاع عن أنفسنا وعن عقولنا . فالأصل في النبي محمد " صلعم " أنه أمي ، لا يقرأ ولا يكتب . والأمية فيه ليست عيباً ولا نقيصة ولا مذمة ، وإنما الأمية فيه شرف ، لأنه يعد من الله لتلقي الوحي الإلهي ـ القرآن ـ ، فلا يختلط الوحي بغيره كمصدر للمعرفة . وحتي لا يقال أنه كلام من عندياته ، أو أنه تعلمه من غيره ، كما يُقال . ووجه الإعجاز أن تكون معجزته ، فيما هو فيه أمي ، يتحدي به العرب الذين عاصروه ، بكلام من جنس الذي برعوا فيه ، وهم علي أميته من الشاهدين . إلي حد أنهم ذهبوا إلي اتهامه بالسحر ، أو بالجنون ، أو بمس الشيطان ، لتحديهم من رجل أمي بكلام قد برعوا فيه ، ونصبوا له الأسواق ، وقد أعجزهم . وقد تحدثت عن أميته الكتب السماوية السابقة عليه ـ التوراة والإنجيل ـ قبل أن تبدأ حياته ، أو تدب أقدامه علي الأرض فيما يطلق عليه البشارة . وهو أمي باختيار الله . ثم يأتي هذا الأمي ويتحدي أصحاب الكتب السابقة ، بذكر تفاصيل قصصهم مع أنبياءهم مما لا يعلمه الأغيار " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك " . والأولي عقلاً بأهل الكتاب أن يؤمنوا بنبوة محمد ـ صلعم ـ لأن النبي الذي جاءت بشارته في التوراة والإنجيل ، لم يأت بعد ، إلا في صورة محمد ـ صلعم ـ الذي يحمل بين يديه المعجزات الدالة علي نبوته ، المؤيدة لما ورد في كتبهم . ومع أول آية في القرآن نزل أمين وحي السماء بها إلي محمد ـ صلعم ـ قال له : " إقرأ ... " فقال محمد ـ صلعم ـ ما أنا بقاريء ، وهنا يأت التساؤل : ألم يكن الله يعلم بأميته ـ صلعم ـ وهو من اختاره علي هذا النحو ؟ . بلي ، كان يعلم ، ولكن نزلت هذه الآية كأول آية في القرآن ليعلن للدنيا كلها أن هذا النبي أمي ، وأنه لم يجلس إلي معلم في حياته ، ولم يقرأ حرفاً في كتاب . وأنه مع أميته كان معلماً للدنيا كلها . وقد يذهب أحدنا ـ متفذلكاً ـ إلي القول بأن الإعجاز اللغوي لم يعد يلزمنا ، لأننا لسنا بارعين باللغة ، و لا نحتاج إلي هذه البراعة ، ولا يلزمنا التحدي في عصر العلم والتكنولوجيا ، لأن عصر المعجزات قد انتهي وولي زمانه . وهنا نقول أن القرآن الكريم ـ الكتاب المقدس عند المسلمين ـ في إعجازه اللغوي ، يتعامل مع قضية اللغة باعتبارها وعاءًا لللعلوم والفنون والآداب . ومن إعجازه ، أن إعجازه اللغوي ، طمر به معجزات أخري ، لم تتكشف حين نزل القرآن . فإلي جانب تحدي معاصري نزوله ، تضمن تحدياً لأبناء كل عصر، مؤداه أن كلام الله ، لا يتصادم مع حقائق الكون بحال . ذلك حتي يتبين لهم أنه الحق ، وأنه هو من عند الله " سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم ، حتي يتبين لهم أنه الحق " . وهذه الآية قائمة إلي يوم القيامة . ولا يزال القرآن المعجز آيات دالة علي وجود الله ، وعلي نبوة محمد ـ صلعم ـ أبداً إلي قيام الساعة . وليس مجرد قرآن يُتلي ، ويُتعبد به وحسب . ومن بين المعجزات المطمرة في آيات القرآن ، وتكشفت لأبناء هذا العصر ، كون الأرض كروية . ويوم اكتشاف هذا الأمر قالوا بأن حقائق الكون تتصادم مع آي القرآن ، ولا يمكن لكون مخلوق لله أن تتصادم حقائقه مع كلام الله . ولما كانت حقائق الكون ثابتة ، وطرأ عليها القرآن في وجوده علي الأرض ، إذن فالقرآن ليس كلام الله . وقد ظهرت لديهم هذه الإشكالية في الفهم في قوله تعالي : " والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج " ـ ( سورة ص ، آية 2) . فالأرض في القرآن ممدودة ، أي مبسوطة ، وليست كروية . وقد قيل بأنه من ضمن معجزات القرآن أنه يتناسب مع جميع الأفهام ، مع فهم الرجل الأمي البسيط ، والرجل نصف المتعلم ، والرجل المتعلم ، والرجل المثقف ، وعالم الذرة . فحين تحدث القرآن إلي الرجل البدوي البسيط خاطبه بما يلائم فهمه ، فقال له : " والأرض مددناها " . فينظر ذلك الرجل في الأرض ، فيجدها ممدودة أمامه ، منبسطة . وكلما مشي وجدها كذلك . وهنا تنطبق في ذهنه ، وتقر في قلبه ، عقيدة أن الآية الكونية وهي الأرض الممتدة ، لا تتصادم والآية القرآنية المنزلة : " والأرض مددناها " . فلما جاء هذا العصر ، وتكشفت للإنسان حقيقة كونية أخري ، تصحح ما كان يعتقده عن الأرض ، وهي أن الأرض كروية . سيتكشف مع هذا الكشف عطاء آخر من عطاءات القرآن . فالقول أن الأرض ممتدة أبداً ، يعني أنها ليست محدودة بحد ، والشكل الهندسي الممتد بلا توقف هو الدائرة ، أما الأشكال الهندسية الأخري فلها حدود محددة بأضلاعها ، فإذا وصل الإنسان إلي حافة الضلع سقط في الفراغ ، سواء أكان هذا الشكل معين ، أو مربع ، أو مثلث أو غيرها من الأشكال الهندسية المشتقة . ومن هنا زال التصادم بين الآيات الكونية والآيات القرآنية ، قديماً وحديثاً . ولا تملك إلا أن تقول " صدق الله العظيم ، وصدق رسوله الكريم " . وقد تتفاجأ بأحد المتفذلكين يداهمك بقوله : ولِمَا لم يبين القرآن هذه الحقيقة منذ البداية ، أو يقول بها محمد ـ صلعم ـ في حينه ، وأراح واستراح ؟ . لا ريب أن ذلك وجه آخر من أوجه الإعجاز ، لو تصورنا النتائج المترتبة علي مجابهة البدوي في ذلك العصر بحقيقة أن الأرض كروية . لقد حدث مع جاليلو عندما صرح بأن الأرض ليست هي مركز الكون أنهم حرقوه حياً في أوروبا . فماذا كان سيحدث للرسالة ، ولنبي الرسالة ، لو كان جري التصريح بأن الأرض كروية ؟ . ومن هنا كان سكوت النبي محمد ـ صلعم ـ عن تفسير القرآن ، وعن التصريح بما هو مطمور فيه من آيات كونية ، حتي لا تتجمد عطاءات القرآن للأجيال المتعاقبة . ويظل كتاباً حياً متفاعلاً مع الناس والوجود إلي قيام الساعة . ومن هنا لا نملك سوي الإقرار بأن هذا القرآن هو من عند الله ، وأن نبي القرآن هو النبي لا كذب .
حــســــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق