الخميس، 23 يونيو 2016

فـواصـل درامـيــة بقلم الكاتب حسن زايد




فـواصـل درامـيــة

بـقــلـم / حــســـن زايـــــــــد

العمل الدرامي ـ سواء كان إذاعي أو تلفزيوني أو سينمائي ـ يستهدف تحقيق غايتين لا أكثر للمتلقي : الأول ـ المتعة ، والثاني ـ توصيل رسالة ما . والمتلقي هو علة وجود العمل الإبداعي ، والحافز علي الإبداع ، والجائزة الكبري للمبدع . فالإبداع سواء كتابة ـ قصة أو سيناريو ـ أو إخراجاً ، أو تمثيلاً ، أو إنتاجاً يستهدف في النهاية المتلقي ، وهو حين يمارس إبداعه ، إنما يكون في باله المتلقي . ينظر إلي عمله بعين المتلقي ، ويحس بأحاسيسه ، ويشعر بمشاعره ، ويدرك بإدراكه ، ويعيش وجدانياته ، إنه حالة من حالات التوحد الصوفي مع المتلقي ، وعلي قدرهذا التوحد ومساحته يكون الإبداع . أنا لست ناقداً فنياً ، ولا أديباً ، ولا كاتب سيناريو ، ولا أجيد أي من هذه الأمور . ولكني صاحب تجربة في مجال الكتابة الإبداعية ، لي تجارب في القصة القصيرة أو الأقصوصة . وكانت تستغرقني بعض المشاهد عند كتابتها إلي حد البكاء والنحيب . وكنت أقرأ ردود أفعال بعض القراء في تعليقاتهم علي العمل . ومعظمها يجمع أصحابها علي أنها أبكتهم . ومن هنا أستمد مقياسي في الحكم علي العمل . وأذكر كلمة للشيخ الغزالي يصف فيها أحد خطباء المساجد المفوهين ، بقوله : " لخطبته من صفات ليل الشتاء ثلاث : الطول ، والبرودة ، والظلمة ". وقد سبقه الحسن البصري في قوله لأحد الخطباء بعد أن استمع لخطبته : " يا هذا إما في قلبك شيء ، أو في قلبي شيء " . وفي الحالتين الرسالة لم تصل ، ولم تتحقق المتعة ، وفقدان التوحد بين المبدع ، والمُبدَع له أو المتلقي . وقد كانت الأعمال الدرامية في السابق تعتمد علي الأعمال الإبداعية لأدباء مصر . من أمثال نجيب محفوظ ، وإحسان عبد القدوس ، وعبد الرحمن الشرقاوي ، ومحمد عبد الحليم عبد الله ، ويوسف إدريس ، وغيرهم . وكانت هذه الأعمال هي الأساس الذي يستند إليه كاتب السيناريو في بناء الحبكة الدرامية . ولذلك كان العمل يتمتع بقدر هائل من التماسك بين كافة عناصره ، محققاً المتعة للمشاهد ، وفي ذات الوقت توصيل الرسالة المقصودة ، إلي المرسل إليه علي نحو غير مباشر . وقد كان ذلك يتطلب من كاتب السيناريو ، أن يكون قادراً علي قراءة العمل الأدبي ، واستبطان معانيه ، ومقاصده ، حتي يتسني له تصوير شخصياته علي نحو دقيق ، يعطيها عمقها وأبعادها ، من خلال اللغة الحوارية التي يعتمد عليها . وإضافة الشخصيات الضرورية التي تخدم العمل وتضيف إليه ، دون تزيد . مع ربط الأحداث الرئيسة التي تمثل الخط الدرامي ، والأحداث الفرعية التي تخدم عليه في ضفيرة واحدة ممتدة ، متدفقة في إتجاه التصعيد نحو الذروة الدرامية ، وفك العقدة . ومن هنا عاشت هذه الأعمال في الوجدان الشعبي إلي الآن رغم مرور كل هذه العقود . أما الأعمال الدرامية الحالية ، فمعظمها لا يرقي لمستوي العمل الدرامي من حيث التأثير الإيجابي في المتلقي ، متعة ورسالة ، وإن كان لها من تأثيرفهو تأثير تدميري مخرب للنفوس وللعقول . فهي لا تعتمد علي قصص أدبية لأدباء لديهم القدرة والموهبة علي قراءة مفردات المجتمع ، وإعادة صياغتها من جديد في شكل إبداعي مترابط . وإنما تعتمد علي نظام ورش العمل بين عدد من كتاب السيناريو ، يجلسون معاً ، ليغلزلوا خيوط العمل ، وينسجوا قماشته ، التي سيعملون عليها . وهو نظام جيد إلا أنه غير مسبوق بعوامل أخري لازمة للعملية الإبداعية في هذا المجال . ولذا فإن الأعمال المعروضة قد جري استهلاكها منذ زمن ، ويتعين تجاوزها . فمعظم الأعمال الدرامية تدور حول محاور المخدرات والعنف والجنس والجريمة والفساد ، والخلل النفسي ، والجنون . وكأن المجتمع المصري قد خلا من أي نقطة مضيئة في أي ناحية من نواحي الحياة ، وكأنه ـ كذلك ـ لا مجال للإبداع وجذب الجماهير ، إلا في مثل هذه القضايا المستهلكة . وليت هذه الأعمال تعالج مثل هذه القضايا معالجة درامية مبدعة تمثل إضافة في الرسائل غير المباشرة للمجتمع ، وتحقق له المتعة في آن معاً . هذا فضلاً عن الإلتجاء إلي مصطلحات الشارع ومفرداته ، والعمل علي بروزتها ، وإبرازها ، والإعلاء من شأنها ، وتكرار تيمتها علي نحو متواتر ، حتي تجدها اللغة السائدة في المجتمع . والميل المسهب نحو مهاجمة القيم النبيلة ، والنيل منها ، والتحقير من شأنها ، والحط من قدرها ، والتهوين من مردودها ، بما يمثل تحريضاً صريحاً علي هجرها ، والنأي عنها . وأصبحت لغة الشتائم والسباب بأقذع الألفاظ ، والإيحاءات الجنسية ، هي اللغة المعتمدة لدي كتاب السيناريو ، بدعوي أن الفن مرآة الواقع . ثم نأتي إلي موقف الدراما المصرية من مسألة الإعلانات . فقد كانت الفواصل الإعلانية تحتل مساحة محدودة من مساحة الحلقة أو الفيلم ، بما لا يؤثر علي سلامة المتابعة والتمتع بالمشاهدة . أما اليوم فقد تحولت الدراما التلفزيونية إلي فواصل درامية داخل المساحة الإعلانية المفتوحة ، وكأني بالمشاهد قد جلس لمشاهدة الإعلانات ، ليس لأنها أفضل حالاً من الدراما ، ولكن جبراً وقهراً ، حتي تري مقطع أو مقطعين من مشاهد العمل الدرامي . وهذا الأمر يحرمه من متابعة العمل الدرامي ، فضلاً عن الإستمتاع به . والطريف أن هناك من يطالب الرئيس السيسي بالتدخل ، ويناشده ، ويشتد في مناشدته ، علي وقف هذه المهزلة الإعلامية / الإعلانية ، احتراماً لقيم الشهر الفضيل ، وحفاظاً علي النشء من السموم المبثوثة من خلال الآلة الإعلامية . والواقع أن الأمر ليس بيد الرئيس ، في ظل نظام الإقتصاد الحر ، حيث لا دور للدولة في توجيه القطاع الخاص ،الذي باتت تحكمه قيم الإنتهازية والسطو المسلح علي عقول وقلوب البشر . حتي تلفزيون الدولة أصبح عاجزاً عن مواكبة التغييرات المتلاحقة السريعة في مجال الإعلام ، ومن ثم العجز عن المنافسة المتكافئة مع إعلام القطاع الخاص الذي يستهدف الربح ، ولا شيء غيره . ولا مخرج إلا بوجود البديل لدي الدولة الذي يكسر هذه الاحتكارات لإيقاف العبث بالعقول ومنظومات القيم الإجتماعية والدينية الحاكمة .
حــســـن زايــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق