الجمعة، 25 ديسمبر 2015

إقــالــة محــافــظ الـشـــرقـيــة ! ! بقلم الكاتب حسن زايد

إقــالــة محــافــظ الـشـــرقـيــة ! !
بـقــلـم / حــســــن زايــــــــــد

لا ريب أنني أصبت بالصدمة ، وبخيبة الأمل ، عندما سمعت خبر إقالة محافظ الشرقية من التلفاز . لا لأنني من محبي ذلك المحافظ ، ولا هو من البقية الباقية من أهلي ، ولا أعرفه علي المستوي الشخصي ، واحمل تجاهه مشاعر حيادية باهتة . 
والعلة وراء الصدمة ، وخيبة الأمل ، مردها إلي ثلاثة أمور هي :
الأمر الأول : هو استمرار النهج المباركي في استقدام المسئولين ، والإطاحة بهم . فما زال المسئول لدينا يأتي إلي محل مسئوليته دون أن ندري لماذا أتي ؟ . وهذا يعني أنه لا وجود للمعايير الموضوعية الشفافة ، التي يتم وفقاً لها ، إختيار المسئول . وذلك فضلاً عن كونها غير معلنة . وذلك يضيف للغموض المحيط بالمسئول غموضاً إضافياً ، يدفع بالناس إلي حالة من التوجس والتربص بالمسئول ، قد تمثل معوقاً له في عمله ، وقد تنتهي به إلي ارتداء الجلباب الأبيض ، والإمساك بالمسبحة ، أو علي أقل تقدير إهدار المزيد من الوقت والجهد في التعارف والتقارب والتفاهم ، حتي يبدأ العمل المشترك . أما عن الإطاحة بالمسئول الذي لم يعد مسئولاً ، فحدث ولا حرج . حيث تعد أسباب الإقالة قدس الأقداس ، وسر الأسرار ، وكأن إحاطة الناس علماً بها معرة قد تلحق بالحكومة كلها . مع أن الشفافية والوضوح في أسباب الإقالة ، وإحالة المسئول للمساءلة والمحاسبة القانونية ، إن كان ثمة ما يستوجب المساءلة والمحاسبة ، أدعي إلي تهدئة الرأي العام ، وإراحته ، وتفاعله الإيجابي مع القرار ، وترك آثار إيجابية في النفوس تبعث علي الثقة في قرارات الحكومة ، وشفافيتها ، وعدم تسترها علي فساد الفاسدين ، وانحراف المنحرفين . فإن كان لابد من إقالة المسئول ـ لأننا لا نملك رفاهية الإستقالة ـ ولم يكن هناك ما يستوجب المساءلة أو المحاسبة ، فلتكن الإقالة خالية من الإهانة ، وأن تتوفر فيها قواعد الإحترام الواجب قانوناً . لأنه ليس من المتصور إعتبار إهانة الموظف العام جريمة يعاقب عليها القانون ، حفاظاً علي هيبة الوظيفة واحترامها ، ثم نتفاجأ بالحكومة ترتكب تلك الجريمة في حق الوظيفة العامة وهي تقيل أحد مسئوليها علي نحو مهين .
الأمر الثاني : أن ما أشيع عن الرجل يستوجب استبقائه في منصبه . فعندما يقال بأنه محافظ ميداني ، لا مكتبي ، يتابع المشاكل علي أرض الواقع ، ويعمل جاهداً علي حلها . وعندما يقال بأنه كان يحاسب المقصرين ، ويحارب الفاسدين . وأنه كان يدرس جميع الملفات التي تقدم له ، ويوليها اهتمامه . وأنه المحافظ الذي نزل إلي العمل الميداني في محاربته للدروس الخصوصية ، والفساد الذي عم المستشفيات الحكومية ، وسائقي النقل العام ... الخ . ألا يستوجب ذلك استبقائه في منصبه ؟ ! . ولو جري قياس ما فعله محافظ الشرقية المقال مع ما فعله محافظ الإسكندرية السابق ، لقلنا بأن الأخير كان موقفه يستوجب المحاكمة العلنية . ومع ذلك لم يتم رفعه من الخدمة إلا بكارثة قدرية هي كارثة السيول ، ولولاها لكانت الحكومة قد استبقته رغم أنف أبي ذر . ألا تثير هذه الإقالة علامة استفهام ضخمة ، تأتي في عقبها علامة تعجب بحجم جبل أحد ، لأنه لو كان هذا المحافظ تجري إقالته علي هذا النحو المهين ، فماذا ستفعل الحكومة مع بقية المحافظين ممن هم دونه في ممارسة المسئوليات والصلاحيات المخولة له ؟ . أم أن مافيا الفساد التي أوقفت الدكتورة البيطرية شيرين زكي عن العمل ، لاكتشافها لحوم فاسدة في أشهر مطاعم مصر ، ما زالت لها السطة والغلبة ، إلي حد الإطاحة بشرفاء هذا الوطن ، الواحداً تلو الآخر ؟ ! .
الأمر الثالث : أن يجري إقالة رجل من منصبه لتمسك الناس به . وهو منطق يدعو إلي العجب والدهشة !! . لأنه من المفترض أن الحكومة تعمل في إطار استرضاء الجماهير ، وما توضع السياسات ، ولا تتخذ القرارات ، ولا تسن القوانين ، إلا خدمة لهذا الجمهور . وإلا فإنها تعمل خدمة لشعب آخر ، أو أن الشعب لم يبلغ الرشد بعد حتي يحسن اختياراته ، فأقامت الحكومة من نفسها وصية عليه في هذه الإختيارات . فردود الأفعال الغاضبة علي مواقع التواصل الإجتماعي ، وردود أفعال نواب مجلس النواب بمحافظة الشرقية ، وكذا إعلان تنظيم وقفة جماهيرية أمام المحافظة للمطالبة باستمرار المحافظ المقال ، والتي يبدو أنها كانت المبرر في إقالته ، لم تصح شفيعاً لاستمراره في منصبه . ويبدو أن هذا المنطق يتسق مع ذات المنطق الذي أدي بالحكومة إلي التمسك بمحافظ الإسكندرية السابق ، الذي أثار غضب وسخط العباد والبلاد والشجر والدواب ، حتي آخر رمق .
تلك هي الأمور الثلاثة التي أدت إلي إصابتي بالصدمة وخيبة الأمل . وانتظر مع المنتظرين إعلان الحكومة عن أسباب الإقالة المفاجئة لمحافظ الشرقية ، لعل في إعلانها نقطة البدء في معرفة أسباب استقدام المسئول ، وأسباب إقالته وفقاً لمعايير موضوعية معروفة .
حــســـــن زايـــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق