الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

جــذور الـفــكــر الـتــكـفــيري بقلم الكاتب حسن زايد

جــذور الـفــكــر الـتــكـفــيري
( 2 )
بــقــلـــم / حــســـن زايـــــــد
ختمنا المقال السابق بقولنا أن : " التنظيمات الجهادية استخدمت الفتوى الماردينية لتبرير عملياتها، من ضمنها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله ". فقد اعتمدها بنصها المُصَحَّف ، وجعلها مصدراً لاستدلالاته محمد عبد السلام فرج في كتيبه : " الفريضة الغائبة " الذي يعد دستوراً للجماعات الإرهابية . وقد تعقب هذا الكتيب بالنقد والنقض فضيلة الأستاذ الدكتور جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر ، وفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوي بالأزهر الشريف في كتاب " نقض الفريضة الغائبة " ملحق مجلة الأزهر عدد المحرم عام 1414 هـ . كما اعتمدها كذلك اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة لتبرير هجماته ضد الغرب ، وضد الحكومات في البلدان الإسلامية ، بزعم أنها موالية للغرب الكافر . واليوم يستند إليها تنظيم " داعش " في عملياته الإرهابية الإجرامية . والحق أن فتوي ماردين ليست هي الفتوي الوحيدة لابن تيمية التي تحض علي العنف والتطرف ، وتعد ذخيرة فقهية للجماعات الإسلامية ذات الطابع الإرهابي . إلا أن فتوي ماردين قد اكتسبت أهميتها وشهرتها باعتبارها قسمت العالم إلي ثلاث مناطق ، بخلاف الفقه التقليدي . فالفقه التقليدي نظر إلي العالم باعتباره يمثل دارين هما : دار الإسلام ، ودار الكفر ، وهذا التقسيم يترتب عليه أحكام شرعية . فلما جاء ابن تيمية أضاف دار ثالثة هي الدار المركبة ، فلا هي دار اسلام ، ولا هي دار كفر ، وذلك بناءً علي واقع مدينة ماردين . مع الأخذ في الإعتبار أن هذا التقسيم الفقهي بنوعيه ليس من الأمور التوقيفية ، وإنما هو إجتهاد فقهاء ، ولو كان توفيقياً لما تسني لابن تيمية إضافة ما أضافه علي التقسيم التقليدي . وكونه اجتهاداً فقهياً ، فإن ذلك يعني إمكانية الخروج عليه باجتهاد فقهي آخر، تبعاً لتغير الزمان والمكان . ولعل فيما فعله الإمام الشافعي بتغيير مذهبه بانتقاله من العراق إلي مصر خير دليل علي ذلك .وبالرجوع إلي نص الفتوي كما وردت في المقال السابق سنجد أنها تضمنت معالم واضحة ، لا لبس فيها ولا غموض ، ولا اختلاف حولها ، وتتمثل في : ( 1 ) ـ حرمة دماء أهل ماردين وأموالهم . ( 2 ) ـ وأن بقاءهم في بلادهم تحت سلطة الكفر المتغلبين عليهم لا يهدر شيئاً من حقوقهم . ( 3 ) ـ لا يحل سبهم أو رميهم بالنفاق . ( 4 ) ـ عدم وجوب الهجرة عليهم إذا تمكنوا من إقامة دينهم . ( 5 ) ـ حرمة مساعدتهم لعدو المسلمين ولو اضطروا إلي المصانعة أو التعريض أو التغيب . ( 6 ) ـ إن دارهم ليست دار اسلام محض ؛ لأن المتغلب عليها غير مسلمين ، وليست دار كفر ؛ لأن أهلها مسلمون ، ولكنها دار مركبة فيها المعنيان ، ويعامل فيها المسلم بما يستحقه ، ويعامل فيها الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه . إذن أين المشكلة هنا ؟ . ولماذا اختلف تلقي الجماعات الإرهابية لهذه الفتوي عن تلقي علماء الأمة لها ؟ . المشكلة هنا ووجه الإختلاف جاء في السطر الأخير من الفتوي ، وتحديداً في كلمة واحدة فيه . وقد أشار إلي ذلك السعودي الدكتور عبد الوهاب الطريري في معرض دفاعه عن ابن تيمية ، حيث قال بأن الفتوي قد حدث بها تحريف أو تصحيف غير مقصود ، في نسختين من مجموع فتاواه . هاتان النسختان انتشرتا بلغات عدة ، وأصبح المعني المحرف هو المعني الملهم للجماعات الإرهابية داخل العالم الإسلامي وخارجه . وقد تصحفت في بعض المطبوعات كلمة ، فغيرت المعني ونحت به منحاً آخر ، هذه الكلمة هي كلمة : " يعامل " التي تصحفت إلي : " يقاتل " ، فأصبح المعني : " ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " . وقد حقق الدكتور الطريري الأمر ، وتبين له أن الفتوي قد جاءت علي الصواب في النسخة المخطوطة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية وهي برقم ( 2757 ) في مكتبة الأسد في دمشق . وفيما نقله ابن مفلح ـ وهو تلميذ ابن تيمية ، وقريب العهد منه ـ في الآداب الشرعية ( 1 / 212 ) . وكذا في الدرر السنية ( 12 / 248 ) ، ورشيد رضا في مجلة المنار . أما التصحيف ( التحريف ) فقد وقع أول ما وقع قبل مائة عام تقريباً في مجموع الفتاوي التي أخرجها فرج الله الكردي عام 1327 هـ ، ثم تبعه الشيخ عبد الرحمن القاسم في مجموع الفتاوي ( 28 / 248 ) . والنص المُصَحَّف كان هو الأكثر شهرة وتداولاً بين طلاب العلم ، كما أن ترجمته إلي اللغتين الإنجليزية والفرنسية قد ساهم في بلبلة أذهان الشباب الغربي المعتنق للإسلام . وقد يفسر ذلك انضمام عناصر غربية إلي صفوفه في جانب من الجوانب . وأخطر ما في هذه الفتوي هو بناء الفعل للمجهول في " يُعَامل " و " يُقَاتل " ، لأن ذلك فتح الباب علي مصراعيه للجماعات الإرهابية لركوب الفعل ، والقيام بهذا الدور ، بما في ذلك الخروج علي الدول والمجتمعات . كما أن استخدام لفظة عن الشريعة وسع نطاق القتال علي غير مقتضي ، لأن الخروج عن الشريعة يبدأ من صغائر الذنوب وينتهي عند كبائرها الكفرية . فهل يمكن للعقلية المتطرفة الإقتناع بهذا الكلام العلمي الرصين ؟ . الإجابة سنعرفها في المقال القادم ، إن كان في العمر بقية .
حــســـن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق