السبت، 26 مارس 2016

عمار يا كويت بقلم الكاتب عبدالرحيم حشمت عسيري




عمار يا كويت 

بقلم : عبدالرحيم حشمت عسيري . المحامي 
صباح يوم الجمعة الفائتة استيقظت من النوم مفزوعا من شدة الألم الذي أصابني فجأة في صدري لأول مرة في حياتي .. وفي لمح البصر وجدتني في مستوصف الفروانية الغربي ، سحبت من الماكينة طابع من فئة الدينار ، ثم توجهت إلى موظفة الاستقبال قدمت لها الطابع والبطاقة المدنية فاستخرجت لي التذكرة في الحال ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى جاء دوري ، ووجدت الدكتور المناوب يكشف على وهو يسألني : عما إذا كانت هذه الآلام التي أصابتني طارئة أم مزمنة ، وما إذا كنت مدخنا من عدمه ؟ .. ألا لعنة الله على التدخين فما زالت آثاره المدمرة للصحة تلاحقني بالرغم من إقلاعي عنه منذ عشر سنين ، وعليه قال الدكتور ربما تكون هذه الآلام بداية الإصابة بذبحة صدرية ، لذا أعطاني ورقة تحويل إلى مستشفى الفروانية . 
وما أن قدمت ورقة التحويل والبطاقة المدنية لموظف الاستقبال في طوارئ مستشفى الفروانية حتى طلب مني طابع بدينارين ، عملت اللازم ، واستلمت منه التذكرة ، ثم توجهت مباشرة إلى دكتور المتابعة الذي حولني فورا لقسم الملاحظة لعمل رسم قلب ، وأشعة للصدر ، وتحليل دم ومن ثم الانتظار إلى أن يحين دوري .. وخلال نصف ساعة تقريبا انتهيت من عمل الفحوصات والتحاليل اللازمة .. وبعدها بعدة دقائق وجدت نفسي وجها لوجه أمام دكتور الطوارئ .. صاحب الوجه الملائكي الدكتور محمد فتحي .. الذي استقبلني بترحاب كبير على طريقة المصريين ، وعاملني بود وحفاوة شديدة كأنه يعرفني ، وسألني بوجه صبوح وابتسامة عريضة عما يؤلمني .. ساعتها أيقنت تماما بأن الإيحاء فعلا له نصيب كبير في إتمام الشفاء ، وأن ارتياح المريض لطبيبه يولد لديه الثقة ، ويبعث فيه الأمل ، ويمنحه طاقة إيجابية ، ويكسبه مناعة نفسية .. تحميه من شرور الأمراض المستعصية . 
طمأنني الدكتور محمد فتحي .. على حالتي الصحية بعدما أخبرني بأن قياس الضغط ونتيجة الأشعة والتحاليل كلها طبيعية ، فحمدت ربي ، وهدأت نفسي ، وبدأت الآلام تخف شيئا فشيئا من صدري ، ثم كتب لي روشتة الدواء ، وهو يوصيني بعدم الإكثار من تناول اللحوم الحمراء ، وضرورة تقليل ملح الطعام ، والتوقف تماما عن تناول السمن البلدي .. واستطاع بأسلوبه المهني وتصرفه الراقي أن يبث الطمأنينة في قلبي .. فعدت بقوة مرة أخرى إلى سابق عهدي شديد العزم ، واثق الخطوة ، معافى البدن . 
هذه صورة مشرفة لمعاملة الأطباء لمرضاهم في المستشفيات العامة الكويتية ، وإشارة كاشفة لمستوى أدائهم لمهنتهم الإنسانية ، ودليل حي على أن كل ما يشاع من قبيل (أن الأطباء يعاملون مرضاهم بجفاء) أو (أن المستشفيات العامة في الكويت فيها أجهزة حديثة متطورة لكن تشخيص أطباءها دون المستوى) .. ما هو إلا مجرد ادعاءات مخالفة تماما للحقيقة القائمة على أرض الواقع .. وإن كان هذا لا ينفي أبدا وجود بعض السلبيات هنا أو هناك - بسبب كثافة العمل - التي ينشرها الإعلام بين الحين والآخر .. ومع ذلك مهما بلغ عدد هذه السلبيات ، ومهما كان حجمها إلا أنها تعتبر في النهاية حالات فردية .. لا يقاس عليها ، ولا يجوز الوقوف عندها ، ولا يليق تعميمها ، ولا تدخل في التقييم العام لأداء مثل هذا المرفق الهام . 
هذا هو المستوى الحقيقي الملموس على أرض الواقع .. للخدمات الصحية شبه المجانية التي تقدمها المستشفيات العامة في دولة الكويت لمتوسطي الحال ، وغير القادرين من الكويتيين ، والمقيمين ، والزائرين على حد سواء .. والذي يترجم شعار (عمار يا كويت) من كلمة مكتوبة على الأسوار إلى حقيقة واقعة على الأرض .. فهذا المستوى يعتبر - بلا أدنى مجاملة - مساوي تماما إن لم يزد عن المستوى العام للخدمات التي تقدمها بعض المستشفيات الاستثمارية الكبرى في بعض الدول العربية الأخرى . 
أما إذا أردنا تسليط الضوء على المستوى العام للخدمات الطبية التي تقدمها المستشفيات والعيادات الخاصة ، والمختبرات ، والمراكز الطبية التخصصية المنتشرة في الكويت من أقصاها إلى أقصاها .. فلا أظن أنها تتفوق على المستشفيات الحكومية من حيث الإمكانيات بشكل عام سواء التشخيص ، أو الكوادر ، أو الخبرات الفنية ، أو الأجهزة الطبية .. وإن كانت تتميز عنها بطبيعة الحال من حيث ما تقدمه تخصصاتها النوعية لفئة معينة في المجتمع الكويتي من خدمات صحية جديدة لم يكن لها وجود على أرض الكويت من قبل ، والتي تخرج تماما عن الاطار العام للمعايير الصحية المعروفة على مستوى العالم .. كما تتميز المستشفيات الخاصة عن مثيلتها العامة كذلك من حيث ما تقدمه من خدمة فندقية رفيعة المستوى .. وأيضا من حيث ما تقوم به من تواصل ومتابعة دعائية عالية الجودة قبل وأثناء وبعد تلقي العلاج ، والعمل المستمر على تطوير الخدمة ، والحرص الدائم على استمرار الثقة.. لجذب المزيد من العملاء الموسرين من الكويتيين ، والمقيمين ، والزائرين الذين يأسرهم المظهر ، ويهمهم البريستيج ، بقدر ما يعنيهم الجوهر . 
أما عن العلاج في الخارج على نفقة الدولة فحدث ولا حرج .. وإجمالا يمكننا القول بأن الكويت لا تدخر مالا ولا تألو جهدا في تقديم الدعم اللازم لخدمة مواطنيها في كافة مناحي الحياة .. بل لم يتوقف عطاء الكويت قيادة وحكومة على مواطنيها ، بل تعداه ليشمل جميع المقيمين على أرضها ، لا بل عم أرجاء المعمورة كلها .. وما تتويج سمو الأمير المفدى الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه أميرا للإنسانية إلا دليلا على ذلك . 
وبالرغم مما سبق ذكره من حقائق واقعية لا يسلم قطاع الخدمات الصحية ، كما لا تسلم كافة القطاعات الخدمية العامة الأخرى التي تقدمها الدولة .. من الهجوم الدائم والنقد المستمر من بعض الكويتيين والمقيمين الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب .. وهنا أتوجه للكويتيين والمقيمين معا متسائلا : ألا تعد الشكوى المستمرة بسبب ومن غير سبب نوعا من البطر ؟ .. لماذا لا تحمدون الله على عطائه ، وتشكرونه على نعمائه ؟ .. ألم تسمعوا وتشاهدوا بأم أعينكم الظروف القاسية ، والأحوال المزرية التي تعيش فيها بعض الشعوب العربية الأخرى من حولكم ؟ .. أم أنكم تعيشون في جزيرة نائية منعزلة بعيدة تماما عما يحدث في هذا العالم ؟ .. ألا تعلمون أن الشعوب المنكوبة أصبحت تعالج أمراض العصر بأساليب بالية ، ووصفات بدائية تعود للعصور الوسطى .. بعدما أصبحت الطبابة نوعا من الرفاهية في بعض البلدان العربية التي تعاني من سوء الأحوال المعيشية ، وانعدام الإنسانية ، وندرة المقومات الأساسية بسبب الفوضى والاضطرابات والمحن والأزمات ؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق