الخميس، 24 مارس 2016

فــحــيــح الأفـــاعــي بقلم الكاتب حسن زايد




فــحــيــح الأفـــاعــي
بـقــلم / حـســن زايــــــد
حرية التعبير والرأي من الحقوق الأصيلة للإنسان بهذا الإعتبار . وهذه الحرية دلالة علي حرية المجتمع وحيويته وقدرته علي التقدم والرقي . إذ أن محصلة حرية التعبير والرأي في النهاية هي التنوع والثراء وتعدد الرؤي وتوفر البدائل وتنافسها والإختيار الحر من بينها . ولا يوجد ما يعوق التمتع بهذه الحرية أو الحد منها أو القضاء المبرم عليها إلا نبت استبدادي يتولد بشق طريقه في صخرة المجتمع الحر . ولا أحد ينكر أنه تحت مظلة حرية التعبير والرأي يوجد خفافيش وأفاعي . خفافيش مصاصة للدماء ، لا تطير إلا في الظلام ، باحثة عن فرائسها . وأفاعي ما أن يحط الظلام علي الكون إلا وخرجت نافثة سمومها الناقعة . ووجود الخفافيش والأفاعي هو استثناء علي القاعدة ، ووجود الإستثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها . ولا يوجد حل أو معالجة لوجود هذه الخفافيش والأفاعي سوي إضاءة الأنوار، وتكثيفها ، حتي ينحسر الظلام ، وتتبين ملامح السائرين تحت المظلة ، وتعود الخفافيش والأفاعي ، إلي جحورها وكهوفها ، أو تفعصها الأقدام تحت نعالها ، وهي ترتقي سلالم التقدم والرفعة والعلو . إذن النور في مواجهة الظلام ، لا الإظلام في مواجهة الظلام ، هو المخرج الطبيعي والمنطقي لأي مجتمع يريد أن يتقدم للأمام . ومن بين تلك السموم الناقعة ما نفثه الكاتب فهمي هويدي في عموده بجريدة الشروق المصرية ، في العدد 2607 الصادر يوم الأربعاء 23/3/2016م . المعنون بـ : " سؤال سيناء " . فقد بدأ مقاله بالتباكي والتوجع والحيرة علي سيناء نتيجة حالة التلغيز التي ألمت بها ، باعتبارها جزءًا من الوطن ، رغم أن الوطن / الجغرافي عندهم ـ أعني الإخوان ـ حفنة من التراب العفن ، فيقول : " صارت سيناء لغزاً يوجعنا ويحيرنا " . ولقد كان لغزاً لدينا أيضاً ، وبدرجة أشد ، أنهم قبضوا ثمنها من الأمريكان ، كي تشكل الوطن البديل للفلسطينين ، من خلال مشروع غزة الكبري . وكان لابد للسيد هويدي من عرض العلل والأسباب التي أودت به إلي هذه الحيرة ، حتي يبدو في نظر قراءه منطقياً ، فيقول : " فدماء رجال الجيش والشرطة التي تسيل غزيرة هناك منذ سنتين تصدمنا وتملؤنا بالنقمة والغضب . ومعاناة اهلنا هناك وعذاباتهم جراء الصراع الذي ليسوا طرفاً فيه تستنفر فينا مشاعر الحزن والقلق . أما الجرائم التي ترتكب بين حين وآخر فإن استمرارها يدهشنا ، رغم التصريحات المستمرة عن تطهير سيناء وتصفية التكفيريين والقضاء علي البؤر الإرهابية . واستخدام أحدث الأسلحة في الرصد والمتابعة وإجهاض المخططات . طوال السنتين الأخيرتين نسمع ونطالع نفس التصريحات " . والمؤسف أن السيد هويدي يشعر بالصدمة ويمتليء بالنقمة والغضب للدماء الغزيرة لرجال الجيش والشرطة لينطبق عليه المثل : " يقتل القتيل ، ويمشي في جنازته " وكأن الجاني هنا هو الدولة المصرية ، وليس إرهابييه ومشايخهم الذين يفتونهم بجواز قتل هؤلاء الرجال . وكلمة غزيرة تلقي في روع الناس الجزع والقنوط والتثبيط . وقد تناسي السيد هويدي أن هذه الدماء لا تذهب هدراً ، وإنما تقدم عن طيب خاطر فداءًا للوطن ، سواء من الشهداء أو من ذويهم . ثم يذهب السيد هويدي في غيه إلي ما هو أبعد من ذلك ، وذلك حين حاول الفصل بين أهالي سيناء وبين ما يجري في سيناء بقوله : " ليسوا طرفاً فيه " ، وكأن الصراع قائم بين السلطة في مصر وجماعة الإخوان بمعزل عن المجتمع المصري ، بينما الحقيقة بخلاف ذلك . فالصراع بين الدولة المصرية والمجتمع المصري في جانب وجماعات الإرهاب والعنف في جانب آخر . ثم يواصل الإيغال في غيه حين يعلن عن اندهاشه من استمرار الجرائم ، رغم التصريحات المستمرة منذ سنتين . وقد تناسي عامداً أن سبب استمرار الجرائم الإرهابية ، ليس قصوراً في الآداء أو عنترية في التصريحات ، وإما لأن إقترافها لا يقتصر علي جماعات الإرهاب فقط ، وإنما هناك دول وأجهزة استخباراتية متورطة في هذه الأعمال ، وتوفر للجماعات مدد من الأفراد والتمويل والسلاح والتدريب والمساعدات اللوجستية في حرب قذرة تستهدف إسقاط مصر . فإذا به يتناسي كل ذلك ويلقي باللائمة علي جانب الدولة بقوله : " معني ذلك أن ثمة شيئاً غير مفهوم في المشهد يحتاج إلي إيضاح وتفسير ، كما أن ثمة ثغرات في المواجهة ينبغي أن تعالج ، وأخري في السياسات بحاجة إلي أن تصوب " . ثم يعرج السيد هويدي ـ مغتنماً الفرصة ـ علي الحادث الأخير في سيناء ، فإذا به ـ كما هو متوقع ـ يهتبل الحادث للنيل من مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ، مستغلاً بعض الإضطراب الذي أصاب بياناتها حول الحادث . ولكن الأخطر فيما قال ـ وأظن أن المقال كله كان بقصد الوصول إلي هذه النقطة ـ هو ذهابه إلي تفسير الحادث كما فسره الإرهابيون علي أنه : " بمثابة رد علي الإعتداء علي كرامة نساء العريش وإهانتهن " . ثم ذهب هو للتحقق من الوقائع التي روج لها الإرهابيون ، والوقوف علي أصل الحكاية ، من خلال اتصالاته الشخصية مع السيناويين ، فتبين له أن كمائن الشرطة والجيش تقوم بمطالبة النساء بتحسس أماكن معينة من أجسامهن للتثبت من عدم وجود أحزمة ناسفة حولها . ويضيف أن الأسلوب الذي اتبع اعتبر إهانة بالغة جرحت كرامة وكبرياء السيناويين ، وأثارت في أوساطهم غضباً عارماً ، وأسهم في تأجيج الغضب أن معاملة النساء لم تتسم باللياقة المناسبة . هذا ما أراد السيد هويدي الوصول إليه ، لأنه يدرك حساسية هذا الكلام ، ليس للسيناويين فقط ، وإنما للمصريين جميعاً . ثم يزيدنا من الشعر بيتاً باتهامه للسيناويين بالخيانه حيث يذهب إلي القول بحدوث فجوة عميقة بين السيناويين وبين مؤسسات الدولة ، والفجوة ترتب عليها فقدان الثقة ، وفقدان الثقة أفضي إلي تجنيد مزيد من العناصر للإلتحاق بالجماعات الإرهابية . وهذا الكلام بلا ريب يحدث ما هو مستهدف من وقيعة . فهل ما يقوله السيد هويدي له نصيب من الواقع ؟ . وهل يصح تجاهل خلفيته الإخوانية حول النظر في هذا الكلام المشبوه ؟ . وهل يصح أن يمر هذا السم الناقع مرور الكرام ؟ . لا أدري .
حــســـــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق