الأحد، 21 فبراير 2016

زيــارة جــديــدة للـتــاريــخ بقلم الكاتب حسن زايد




زيــارة جــديــدة للـتــاريــخ

بـقـلـم : حــســــن زايــــــــد

زيارة جديدة للتاريخ هو اسم كتاب للأستاذ محمد حسنين هيكل ، الرجل الأسطورة الذي توفي منذ أيام ، استميحه عذراً في استعارته منه ، معنوناً به هذا المقال ؛ لأن موضوعه يمثل زيارة هامة للتاريخ . لعل بعضنا يذكر ، أو يتذكرالفيلم الهوليودي الأسطوري " لورانس العرب " ، الذي قام ببطولته الممثل المصري الأسطورة عمر الشريف ، وكان إلي جانبه أنتوني كوين ,وأليك غينيس ، وبيتر أوتول ، وكان قد كتب السيناريو روبرت بولت ، وقام بالإخراج جيفيد لين ، وهو يعد من كلاسيكيات السينما العالمية . وتحكي أحداثه قصة توماس إدوارد لورانس ، ضابط المخابرات البريطاني ، الذي اشتهر بمساعدة القوات العربية ، إبان الثورة العربية الكبري ، ضد الدولة العثمانية ، التي كانت تحارب بريطانيا ، خلال الحرب العالمية الأولي . وما يعنيني من هذا الفيلم ، سوي محاولته صناعة صورة زائفة ، لنبي زائف ، علي خلاف الحقيقة ، والإلتجاء إلي ممثل عربي للقيام بهذا الدور، هو عمر الشريف . وقد تضمن الفيلم إشارات تلمودية واضحة لتعطي للمشاهد هذا الإنطباع المزيف ، مثل عامود النارـ وهو في حقيقته عامود من الغبار ـ الذي ظهر للورانس في سيناء ، ويناظره عامود النور الذي ظهر لنبي الله موسي عليه السلام في سيناء أيضاً . وقد لعب لورانس دوراً خطيراً في توظيف الثورة العربية الكبري ضد خصوم بلاده العثمانيين ، فأسهمت في إسقاط دولة الخلافة ، وتقسيم المنطقة العربية وفقاً لاتفاقية سايكس / بيكو ، وصدور وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . وما يعنيني من شأن هذا الرجل هو وقوع العرب أسري الفخاخ التآمرية حتي اليوم ـ مع وجود إعادة رسم للخريطة العربية وفقاً لسايكس / بيكو جديدة في المنطقة ، خدمة للمشروع الصهيوني ـ دون أن ينتبهوا من سباتهم . فلورانس ـ المنسوب خطاً إلي العرب تلبيساً عليهم ـ قد كتب سيرته الذاتية المعروفة بـ : " أعمدة الحكمة السبعة " ، وتحوي تفاصيل ما كان منه مع العرب . وقد لفت الإنتباه في مذكراته تلك ، ذلك الإهداء الغريب لشخصية مجهولة مرموز لها بالأحرف الأولي : " س . آ . " . وقد ذهب البعض إلي أن هذه الأحرف تخص صبي يسمي : " سليم أحمد " ، كان علي علاقة مثلية مع لورانس الذي ظل أعزباً . وقد نفي لورانس ذلك ، مدعياً أنه وضع الإهداء علي نحو عشوائي ، وأنه لا يحمل أي دلالة واقعية . إلا أن هناك من ذهب إلي أبعد من ذلك ، وربط بين هذين الحرفين وبين كتاب لصحفي تركي يدعي : " لطفي أكدوغان " معنون بـ : " سـارة ... المرأة التي هدمت الإمبراطورية العثمانية " . وقد راجع الكتاب وحققه المؤرخ " محمد محفِّل ". وكتب المحقق في مقدمته الطويلة ما مفاده ، أنه مع سقوط الأندلس ، فر اليهود مع العرب هرباً من محاكم التفتيش ، بعضهم توجه إلي المغرب العربي ، والتي يرجع إليها أصل حسن البنا ، والبعض الآخر توجه إلي تركيا . وفي مدينة أزمير التركية ، ظهر شاب يهودي ، ادعي أنه المسيح المنتظر، وتبعه مريدون . وجعل يعيث في الأرض فساداً ، فقامت السلطات بالقبض عليه لمحاكمته ، إلا أنه أعلن اسلامه ، وتبعه مريدوه أيضاً . غير أن هذه الفئة ، أعلنت الإسلام ، وأبطنت اليهودية . أطلق الأتراك علي هذه الفئة اسم " الدونمة "، وهو يعني بالتركية الكذابون . ومعظم أعضاء حزب " الإتحاد والترقي " التركي يرجع في أصوله إلي الدونمة . وهذا الحزب هو الذي انقلب علي السلطان عبد الحميد ، الذي أبي أن يمنح اليهود وطن قومي لهم في فلسطين ، رغم المحاولات المستميتة لهرتزل . وقد توسعت الهجرة اليهودية إلي فلسطين بعد تولي هذا الحزب لمقاليد الحكم في تركيا . وإبان الحرب العالمية الأولي ، التي أعلنت فيها تركيا الحرب علي بريطانيا ، جردت تركيا حملة بقيادة جمال باشا للتوجه بها إلي منطقة قناة السويس ، إلا أن هذه الحملة فشلت ، وعادت أدراجها إلي دمشق ، بسبب تسريب أخبارها إلي الإنجليز، وذلك عن طريق شبكة جاسوسية في عتليت اشتهرت باسم " نيلي " وكان علي رأسها سيدة تدعي ساره آرونسون ، كانت عشيقة لجمال باشا . وقد كانت هذه الشبكة علي علاقة وثيقة بالإنجليز ، وخاصة لورانس . فإذا عدنا إلي إهداء كتاب "أعمدة الحكمة السبعة ". لوجدنا أن : " س . آ . " هي : " ساره آرونسون " . ولعل الإهداء يفصح عن الشخصية المجهولة بلا مواربة ، فقد جاء فيه : " إلي : س . آ . لقد أحببتك ، ولذلك جذبت بيدي هذه الجموع من الناس مسطراً إرادتي بالنجوم عبر السماء ، كي استحصل لك علي الحرية ، المنزل الجدير بك ، منزل الأعمدة السبعة ، لعل عينيك تشعان من أجلي عندما أجيء ... لقد بدا لي الموت خادماً في الطريق إلي أن اقتربت ورأيت من تنتظرين . لقد تبسمت حين سبقني إليك مدفوعاً بغيرته الحزينه ، ليحملك ويلقي بك في سكينته ... " . وهنا يبدو التساؤل منطقياً : هل هذا إهداء يُكتب لصبي ، أم أنه يكتب لامرأة ، مستهدفاً ، إبلاغ رسالة ما . فإلي من يشير بالجموع من الناس التي جذبها بيده ؟ . ألا يقصد العرب في شبه الجزيرة العربية ؟ . ولماذا يفعل هذا ؟. أليس من أجل الحصول لها علي الحرية ؟ . والمقصود هنا هو : " وعد بلفور " . وما المقصود بـ : "المنزل الجدير بك ، منزل الأعمدة السبعة " ؟ . أليس المقصود الوطن القومي لليهود في فلسطين :" إسرائيل " ؟ . وهو بآداء دوره يكون قد أوفي ، ومن ثم حق للغرب أن يصنعوا له فيلماً ، وأن يجعلوا منه بطلاً ، بل ويصلوا به إلي حد أن يكون نبياً ، ذلك هو بالنسبة لهم ، وتلك وجهتهم . فماذا يمثل لنا مثل هذا النبي الزائف ؟ .هل من المستساغ قبول تلك الصورة التي يصدرونها إلينا علي علاتها ؟ . إن هذه الرقعة من تاريخنا في حاجة إلي أكثر من زيارة جديدة ، حتي يمكننا أن نكتشف كم لورانس يعيش بيننا في هذه الأيام الفارقة .
حــســـــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق