الجمعة، 18 نوفمبر 2016

♠ الفجالة ♠ بقلم دكتور / محمد موسي


    القصة القصيرة    

   الفجالة    

  حي الفجالة في القاهرة ، هو أشهر حي في بيع الكتب والأدوات المدرسية ، ولا يوجد طالب في القاهرة إلا وقد إرتاد هذا الحي لشراء الكتب والكراسات والكشاكيل والأقلام منه ، وشارع الفجالة ينتهي شمالاً الى ميدان رمسيس ومنه الي شارع رمسيس ، وفي الإتجاه الأخر الى ميدان التحرير ، وجنوباً ينتهي في ميدان باب الشعرية وفي منتصفه إتجاه الى منطقة الظاهر، والتي فيها كنائس وكان يسكنها الكثير من اليهود المصريين ، وكان زميلاً لهؤلاء وهم طلبه في الجامعة ، إبن صاحب أكبر مكتبة في الفجالة ، وهي تحت عمارة ضخمة وفخمة في هذا الحي ، كانوا وهم أربعة أصدقاء ، متلازمين من المدرسة الي الجامعة ، إثنين منهم مصريين مسلمين ووالإثنين الأخرين مصريين مسيحين ، وأتفقوا أن يلتقوا كل خميس عند المكتبة ، ويأخذوا إبن صاحب المكتبة معهم ، ليسهروا ، وكان الحاج صاحب المكتبة ، ووالد صديقهم ، يحب هؤلاء الشباب ، لإنهم يتمتعون بصفات أعجبته ، فلا أحد منهم يدخن ولا يتلفظ أحدهم بألفاظ خارجة ، وكان شديد الحب لبطل هذه القصة ، ويقول له إذا رأه كنت أتمنى أن تكون أحد أبنائي فيقول له أنا إبنك يا حاج ، فيرد كنت أريدك إبن يرث ، كان يعلم أن بطل القصة فقد أمه وأباه وهو لم يتجاوزالثامنه عشر من عمره ، ورغم هذا كان مجتهداً في دراسته ومستقيماً في سلوكه ، ورغم أنه يملك سيارة ويعيش في بحبوحة من العيش ، إلا أنه كان الأول على الجامعة بلا منازع ، وكان برنامج الأصدقاء كل خميس كما يلي كان يحضر بطل القصة بسيارته من مصر الجديدة ، حيث يسكن ويوقفها في الإتجاة المقابل لرصيف المكتبة ، ويعبر الشارع ويلتقي بالأصدقاء الساعة السابعة عند المكتبة ، ويصر الحاج صاحب المكتبة كل مرة على أن يشربوا أي شئ ، وبطل القصة كان يفضل مياة غازية تسمى إسباتس ، ثم ينطلقوا على الأقدام ، من الفجالة الى شارع الجمهورية شمالاً ، ويستمروا حتى ينعطفوا يميناً في شارع الألفي ، ثم شارع عدلي ، حتى شارع سليمان باشا الذي يسمى الأن شارع طلعت حرب في أول سليمان باشا يوجد محل الأمريكين ، وهو محل للحلويات وبه جلسة جميلة ويشتهر بنوع من الأيس كريم يسمى ( الغزالات الصغيرة الثلاثة ) ، وهي عبارة عن طبق من الإستلس صغير ، توضع به ثلاث كورات (بولات) من الأيس كريم المتنوع ، ويغطى بالمربة والكريم شانتيه ، وتوضع عد 2 بسكويت كأنهما قرني غزال ، بعد الإنتهاء من الأيس كريم ، يسيروا في الشارع حتى محل يسمى قويدر للحلويات الشرقية ، يتناولون فيه البسبوسة بالقشطة ثم يسيروا الى محل البن البرازيلي ، وهو أمام سينما مترو وبجوار مسرح ميامي ، هذا المحل مشهور بعمل كل أنواع القهوة ساخنه أو مثلجة ، كانوا يتناولون كاكاو مثلج رائع ، ثم يسيرو في الشارع الى محل للأكلات السريعة إسمه زينه (مكانه الأن محل ملابس ، والحقيقة كل المحلات التي ذكرت عدا الأمريكين وقويدر قد تغير نشاطها ) يأكولوا سندوتشات الروزبيف والشاورما ، ثم الي ميدان سليمان باشا مارين بسينما راديو ، وفي الميدان مكتبة الشروق التى تفرش الكتب على الرصيف ، ويقفوا للإطلاع على الكتب ، وبطل القصة شديد الشغف بالقراءة ، ودائما يشتري الكتب كل خميس ، ومرة إشترى كتاب بعنوان المعادلة الإنسانية لأن كاتب الكتاب علي إسمه يسبقه لواء دكتور ، كما أسمه وهو يتكلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ويتكلم عن كيف يقترب الحاكم من المحكومين ، ومع ذلك يزداد مهابه في نفوسهم ، حتى يقولوا إن درة عمر أهيب من سيوفكم ، وبعد هذا يكونوا قد إتفقوا على السينما التي سوف يسهروا فيها ، ثم عند العودة يعودون من شارع الجمهورية ، والذي في منتصفة محل لبيع البليلة وهو محل مشهو كانوا يأخذون طبق بليلة عليه السكر والزبيب وجوز الهند والقشطة ، ( تغير نشاطه هو أيضاً ) ، ويعود الى المكتبة حيث يأخذ بطل القصة سيارته الي مصر الجديدة ، حيث بيته ، أما هم فإنهم يسكنون في الظاهر، بالقرب من المكتبه ، إستمر الوضع هكذا لمدة سنوات الجامعة ، وحتى بعد التخرج وجاءت منحة لدراسة الماجستير في إنجلتر لبطل قصتنا فذهب كما العادة الى المكتبة ليتلافى مع أصدقائه ليكون آخر خميس معهم ، فالسفر يوم الإثنين ، وعندما هم بإغلاق سيارته ويتجه للمكتبة ، سمع على الرصيف المقابل من ينادي عليه بصوت جهور، إلتفت فإذا رجل ضخم الجثة له كرش يتقدمه بمسافة ليست بالقليلة ، وإتجه الي هذا الذي نادى عليه ، وسأله ألست أنت فلان ، فقال بطلنا نعم قال أنا الحنش ، كنت معاك في أولى ثانوي ، هذا الإسم لا ينسى فهو كان يشترك معه البطل في الحرف الأول من الإسم الأول ( م ) ، ولكن هذا الضخم عُرفَ بالحنش ، وكان قد رسب في أولى ثانوي ، وبطل قصتنا إنتقل الى الثانية ثانوي ، ثم رسب هو مرة إخرى ، والبطل إنتقل الى الثالثة ثانوي ، ولما خرج البطل من المدرسة الثانوية الى الجامعة كان هو قد تم فصله من المدرسة لإستنفاذ مرات الرسوب ، سأله بطل القصة ماذا فعل بعد ترك المدرسة ، قال عملت مع إبي في تجارة الخردة في السبتية ، ( وعي منطقة تتجمع فيها تجارة الخردة ) ، وتزوجت وسكنت في تلك العمارة وهي التى تحتها مكتبة صديقي ، وسأل بطل القصة ماذا تعمل قال أنا معيد في الجامعة ، نظر إليه يشئ من التعالي وسأله كم راتبك قال له 120 جنية ، قال في اليوم ، قال لا في الشهر، فضحك ضحكةً ظلت لسنوات ترن في إذن بطل قصتنا ، وقال له بإستعلاء واضح ، أنا اليوم الذي لا أكسب فية ألف جنية ، أنامه أحسن وأريح جسمي ، وقال كل عيل من أولادي مصروفه في الشهر أكثر من 200 جنية ، ياراجل هي فلوس الجامعه فلوس ، نظر اليه البطل وقال يا حنش ، كلامك قد يكون صحيحاً ، ولكن بعد عدد من السنوات سوف أحصل على الماجستير، وبعد هذا سوف أحصل على الدكتوراه ، وأولادي في المدرسة عندما يسألوا والدكم ماذا يعمل ، سوف يقولون دكتور في الجامعة ، أما أنت فاليوم وغداً وبعد الغد ، إذا سألوا أولادك عن عمل والدكم سوف يقولوا تاجر خردة في السبتية ، قال الحنش تعالى لزيارتي وشوف الأبهه التى أعيش فيها ،علم إيه ياراجل الذي تفتخر به ،وأنتهى الحديث بينهما ، ثم أكمل بطل القصة يوم الخميس كما هو معتاد ، ودارت الأيام وبعد سنوات من عودة بطل القصة من أمريكا بعد حصوله على الدكتوراه كان يجلس ذات يوم في أجازته على شاطئ البحر في المعمورة يقرأ الصحف ، فإذا بخبر إستوقفه وهو القبض على عصابة لسرقة السيارات وتقطيعها في ورشة خردة في السبتية وبيعها قطع ، ونظر الى صورة صاحب الورشة فإذا هو الحنش ، قام بطل القصة ، وسار الى بيته المقابل للشاطئ ، وهو يردد قول الحق سبحانه وتعالى ،ويقول صدق الله العظيم ( تَبَارَكَ إِلَيَّ بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلٍّ شئ قَدِيرٌ ).

   ا.د/ محمد موسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق