الأحد، 28 أغسطس 2016

لــعــــبـــة الــمــــوت بقلم الكاتب / حسن زايد



لــعــــبـــة الــمــــوت
أنا اسمي لا يهم .. أحداث حياتي منذ مولدي حتي تاريخه ، لخصها الزمن واختصرها ، ربما لكونها كانت أطول من اللازم . فرح ، حزن ، بهجة ، غم ، سعادة ، ألم ، هدوء ، صخب ، نجاح ، فشل . توقفت حياتي قليلاً علي أعتاب مرفأ التخرج ، ربما لالتقاط الأنفاس اللاهثة . عينت معيدة بالكلية ، وتقدم هو لخطبتي . هو رجل جري تلخيص كل الرجال فيه ، وطبيعي أن أحبه ، ولا أري في الكون غيره ، نهر من الحب الدافق ينهمر من الجنة . حركات ، سكنات ، همسات ، لمسات ، لفتات ، نظرات ، انغمست في نهر الحب قبل أن تتقافز أمامنا ، ومن بين أيدينا ، ومن خلفنا . انبثق النور مع اختبار الحمل يسابق الزمن ، طفلة قمرية تنسل من ظلمة الرحم إلي نور الحياة ، ترضع ، تنمو ، تجلس ، تحبو ، تقف ، تتعثر في مشيتها الطفولية . في زحمة الإنشغال بالزوج والبنت والعمل تعثرت حياتي في ثديي الأيمن . كشف ، وفحص ، وتدقيق ، وأشعات مختلفة . كان لابد من أخذ عينة للتحليل معملياً لإزالة الشكوك . عدت إلي البيت مستخفية وراء الإبتسامة ، والضحك ، والمرح ، والمداعبة، والنشاط ، والحركة الدائبة . أكل قلبي القلق ، ونهشته الوساوس ، كوابيس ، هلاوس ، انتحر النوم علي أعتاب جفوني . كنت حريصة علي الدائرة الضيقة .عينة التحليل إيجابية ، القرار استئصال أنوثتي ، فكان لابد للدائرة أن تتسع . أخبرته . هرسه زلزال الصدمة ، وإن حرص علي أن يبدو متماسكاً هادئاً . أخبرته أن الإنسان لا يعيش مرتين ، ولا يموت مرتين كذلك . بدأ الموت يطل بقرونه إلي داخل البيت بعد العملية ، وبدء جرعات الكيماوي ، ومع إطلالته هربت معاني وأشياء . كلاليب تكحت في عظامي ، وكلاباً مسعورة نهمة تنهش في لحمي ، وقصاصات زجاجية مدببة ، تنغرس مع المشي في باطن قدمي . ألوذ بالصمت . الملعون يتفلت مع كل محاولة للحصار . شحوب ، ذبول ، هزال عام ، شعر متساقط ، سطو علي الحياة . لم يعد هناك مجال للإبقاء علي الدائرة . نسيت أن أقول أني تركت العمل راغمة ، وطفلتي القمرية تصاحبني في البيت ، كأنها نسختي بعثت من جديد . ترتمي في حضني المنهك ، بعد أن ينهكها اللعب ، وتنام في هدوء . أواظب علي تناول الأدوية من برشام وشراب وجرعات كيماوية . نفس بشرية تتهاوي متكسرة متفتتة علي سندان الألم . لم أعد قادرة علي الوقوف ، أو الحركة ، أو القيام ، أو الجلوس . نسيت أن أقول أن أختي جاءت لخدمتنا بالبيت ، ورعايتي ، إنها البديل لأمي التي ماتت بذات المرض . كانت تبذل مجهوداًخرافياً . يبدوأن الذاكرة تآكلت كثيراً . في البداية كان زوجي ممتناً لوجودها ، حتي بدأ ينسحب من الحياة ، مستغرقاً في الفيسبوك ، فترة وجوده في البيت ، لقد نسي تماماً حياتنا ، وعاش الحياة الإفتراضية . مزهودة أنا ، وعبء ثقيل . أينما وليت وجهي وجدته أمامي ، تتخطفني كلابيبه من كل حدب وصوب . لم أجد سوي شقيقتي لأوصيها بطفلتي . حملتني سيارة الإسعاف إلي المستشفي ، لإدخالي العناية المركزة . مكثت فيها ساعات أو أيام ، لا أدري . كانوا يدخلون علي فرادي ، ينظرون ، وأنظر .. ألمح في عيونهم دموعاً . لا يتحرك مني سوي جفني . أين طفلتي القمرية ؟ . دخلت شقيقتي وفي يدها طفلتي . لا أستطيع الحركة ، ولا الكلام . لم أعد أحتمل حمل أجفاني الثقيلة ، فسقطت مني ، وذهبت إلي حيث لا أدري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق