الأربعاء، 17 أغسطس 2016

كــربــلائــيــة الإخــــوان بقلم الكاتب / حسن زايد



كــربــلائــيــة الإخــــوان
بقلم: حسن زايد
من الأمور المستظرفة في حياة الإنسان ، أن يختلق لنفسه كارثة من صنع يده ، ثم يجلس بجوارها باكياً نواحاً ، يستجلب من خلالها مظلومية مصطنعة ، يستدر بها عطف الأخرين . ويظن من يراه وهو يمارس طقوس المظلومية والإستضعاف أنه ضحية ، يتعين نصرته ، والوقوف إلي جواره ، ودفع أعداءه عنه ، والذب عن مظلوميته . حدث ذلك في الواقعة التاريخية الأشهر كربلاء ، كما حدث في الهولوكوست اليهودي في العصر الحديث ، وها هو يكرر نفسه بحذافيره مع الإخوان المسلمين . والإخوان ـ سواء من تلقاء أنفسهم ، أو بوحي أورو / أمريكي ـ قد سعوا إلي صناعة إله من العجوي ـ كذلك الذي كانوا يصنعونه في الجاهلية ، فإذا ضرب الجوع بطونهم أكلوه ، ثم صنعوا غيره ـ بقصد الإلتفاف حوله ، وعبادته من دون الله . فهم بما حدث في رابعة قد اختلقوا وضعاً يحقق لهم عدة أمور .الوضع في ذاته مكتسب للشرعية الدولية من باب حقوق الإنسان ، والتي من بينها حقه في الإعتصام والتظاهر، ومن هنا سيجد علي المستوي الدولي من يدافع عنه ، أو يتعاطف معه ، أو يتعاطف مع من يتعاطف معه ، أو يصمت حتي لا يقع في دائرة الإتهام بمعاداة حقوق الإنسان . أما الأمور المتولدة عن اختلاق هذا الوضع ، فمنها : الأمر الأول : إيجاد الوضع الذي يسمح للتحالف الأورو/ أمريكي بالتدخل لإعادة مرسي والجماعة لسدة الحكم ، بالتواجد الفعلي علي مساحة من الأرض ، تكون محلاً للتنازع بين الدولة والجماعة ، ومن ثم تكون منفذاً للتدخل الدولي من جهة الخارج ، وذريعة لبعض الداخل ممن يعمل وفقاً لأجندات خارجية ـ أو إخوانية ـ بالتهجم علي النظام القائم . الأمر الثاني : لملمة شتات أعضاء الجماعة ، والمنتسبين إليها ، والمتعاطفين معها ، ومن يتصورون أنها تمثل الإسلام في بؤرة واحدة ، وفي جبهة واحدة ، وعلي صعيد واحد ، حتي يظهروا للغرب أنهم قوة فاعلة ،لا يستهان بها ، كرقم فاعل ورئيسي ، في معادلة السياسة المصرية ، ومن ثم فإن المشاريع الغربية في مأمن ، في ظل وجودهم كبديل وحيد ، لا حياد عنه . وحتي يظهروا للدول العربية المناوئة لهم ، والمتعاطفة مع النظام المصري ، أنهم بديل الغرب القادم لا محالة . وحتي يظهروا للنظام المصري ـ في استعراض فج للقوة ـ أنهم قادرون علي الحشد الشعبي ، الكفيل بقلب موازين القوي لصالحهم ، مما قد يدفعه إلي التراجع والتخنس . هذا بخلاف إحداث انتكاسة نفسية لدي الشباب ، الذين خرجوا يتنادون فيما بينهم ، لإسقاط نظام الإخوان . الأمر الثالث : أنها فرصة لتحقيق عملية الشحن المعنوي لشحذ الهمم ، وتفجير كل طاقات الإلتفاف حول الجماعة ، باعتبار أن هذا الإلتفاف دين ، وأن الجماعة هي الممثل الحصري للدين الإسلامي . وقد تم تعليه هذا السقف إلي أقصي مدي ، إلي حد يعافه العقل البشري . ففي ميدان رابعة ـ ولا يخفي ما ينطوي عليه الإسم من دلالة لو جري ربطه بأحداثه التاريخية ـ نزل جبريل عليه السلام ـ الذي انقطع نزوله بانقطاع الوحي ـ ومعه الملائكة يحفون الميدان من جهاته . وقد رأي أحدهم الرسول ـ نبي الإسلام ـ وهو يقدم الدكتور مرسي للإمامة ، وقد جري ذلك تاريخياً في عهد الرسول عندما ألم به مرض فأمر أبو بكر بالإمامة . وهكذا ، ومن الإستهواء تجد من يحكي لك عن روائح المسك التي تهب علي الميدان ، وذلك في ظل اتخاذ مداخل ومخارج وحدائق الميدان ، وحدائق بيوته ، ومداخل العمارات ، أمكنة للتبول ، والتبرز ، وقضاء الحوائج . وتجد من يتنبأ منهم ـ علي وجه اليقين ، وكأنه يوحي إليه ـ بأن مرسي عائد إلي كرسي الإتحادية يوم كذا . وكثرت الرؤي والأحلام في المنامات ، والتي تعبر بك كل حواجز الزمان والمكان والعقل ، لتبشرك بما تثبت به فؤادك . الأمر الرابع : اتخاذ رابعة العدوية منصة إعلامية نموذجية ، تتوجه بها الجماعة في خطابها الإعلامي إلي الداخل الملتهب ، والخارج المترقب ، في خطاب دعائي رخيص يستهدف التهييج والإثارة ، متخذاً من الدين مطية لذلك الخطاب . الأمر الخامس : تشكيل حائط صد وحاجز فاصل بين أعضاء الجماعة من ناحية ، وقوات الشرطة والجيش من ناحية أخري ، من المتعاطفين مع الجماعة والمأجورين . وذلك يحقق هدفين : الأول : حماية أعضاء الجماعة من المواجهة المباشرة والحتمية ـ بحسب توجه الجماعة ، وحساباتها ـ مع قوات الأمن ، بما يحفظ علي الجماعة هيكلها وبنيتها الرئيسة . الثاني : أن تتمكن الجماعة من خلق المظلومية المطلوبة ـ إعلامياً ووجودياً ـ من غير الدماء الإخوانية ، سواء تمت التصفية الجسدية بمعرفة أعضاء في الجماعة ، أو كنتيجة للمواجهة المباشرة المسلحة مع قوات الأمن . وقد وصل الشحن في هذا الإتجاه إلي حد اعتبار أن من ينصرف من الميدان ، فهو خائن لدينه ، متولياً يوم الزحف . ومن يثبت فهو المجاهد الذي تنتظره الحور العين علي أبواب الجنة . وهذه المظلومية تحفظ علي الجماعة وجودها الإعلامي باعادة اجترار الآلام المصطنعة ، استجلاباً للتعاطف ، وابتزازاً للمشاعر ، وما يترتب علي ذلك من مواقف حالاً واستقبالاً من المجتمعات والدول ، وتبقي القضية حية ماثلة في الأذهان . وتكئة لممارسة الإرهاب متدثراً بإيهاب رد الفعل . كما أنها تحفظ علي الجماعة وجودها الوجودي ، إذ بها يلتف أعضاؤها حولها التفاف اللحاء باللب . تلك هي كربلائية الإخوان .


التعليقات
Amal Mahmoud
اكتب تعليقًا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق