الأحد، 24 أبريل 2016

مـعـارضـة للإيـجــار ! ! بقلم الكاتب حــســن زايـــــد




مـعـارضـة للإيـجــار ! !
بـقـلم / حــســن زايـــــد

المعارضة السياسية كما نفهمها هي الجزء المكمل لأي نظام سياسي قائم . وهي تنطلق من ذات الأرضية التي ينطلق منها النظام القائم ، وهي أرضية الوطن والمواطن . وكلاهما محكوم بذات الإطار والتوجه ، إطار الوطنية ، واتجاه المصالح العليا . وكلاهما يستمد مشروعيته من ذات القوانين ، ويكتسب شرعيته من ذات الجماهير. والمعارضة السياسية يرتبط وجودها بوجود الأحزاب السياسية ، وتنعدم في الأنظمة الشمولية أو أنظمة الحزب الواحد . والأحزاب المعارضة قد تتمثل في حزب واحد ، وقد تتمثل في مجموعة من الأحزاب . والمعارضة حتي تكون معارضة سياسية حقيقية ، وليست معارضة للمعارضة ، لابد وأن تحمل رؤي وتطلعات وبرامج وسياسات مطروحة بخلاف تلك التي تتبناها السلطة القائمة . والتنافس بين هذه وتلك تحسمه الجماهير صاحبة المصلحة الأولي والأخيرة في اختيار ما تريد . والجماهير تنقسم في النهاية إزاء هذا وذاك إلي أغلبية وأقلية . ومن هنا يمكن القول بأنه ليست هناك أقلية دائمة ، ولا أغلبية دائمة ، وإنما هناك تداول للسلطة فيما بين أغلبية الأمس / أقلية اليوم ، وأقلية الأمس / أغلبية اليوم ، إعمالاً لما يُعرف بمبدأ تداول السلطة . وفي كل الأحوال يبقي للأغلبية الحق في اتخاذ القرار ، وللأقلية حق الإعتراض ، مع الإلتزام بقرار الأغلبية ، حتي لا نواجه بما يُعرف بديكتاتورية الأقلية ، وتختل بذلك موازين اللعبة الديمقراطية . والمعارضة السياسية قد تُمارس في إطار مشروع ، وقد تُمارس خارج الإطار المشروع . الإطار المشروع هو الذي يجري في أحضان القانون والدستور، دون خروج علي مقتضاهما . وهذا الإطار هو الذي يحفظ للوطن وحدته وتماسكه وتوازنه ، ويضمن له التقدم والرقي في الركب الحضاري . وخارج الإطار المشروع هو الذي يجري بمنأي عن القانون والدستور، خروجاً علي مقتضاهما . وهذه الممارسات هي التي تهدد الوطن ، وتهدد تماسكه ووحدته ، بل وتهدد وجوده . ومن أمثلة هذا النوع من المعارضة ، المعارضة المسلحة ، التي تعتمد الكفاح المسلح سبيلاً للوصول إلي السلطة ، والتي تنتهي إلي صورة من صور الحرب الأهلية كما حدث في لبنان ، رغم أن ديمقراطيتها ديمقراطية توافقية . وكما يحدث في العراق ، ما بعد الإحتلال الأمريكي ، وما يشهده من صراعات مسلحة بين طوائفه . وكذا الأمر في أفغانستان ، والصومال ، وليبيا . والمعارضة المسلحة التي يمارسها الإخوان المسلمون في ليبيا ، وسوريا ، ومصر . والمعارضة التي تتكيء علي الشعب لتغيير النهج السائد ، دون أن تتخذه مطية للقفز علي كرسي السلطة ، هي المعارضة السياسية الحقة التي تعمل في الإطار المشروع ، رغم أنها قد تعتمد علي حالة التناقض التي يمكن أن تكون قائمة بين النظام والشعب كوقود للمعارضة ، إلا أنه محكومة بمصلحة الوطن والمواطن . أما المعارضة التي تتكيء علي الإستعانة بقوي خارجية ، والإستقواء بها علي النظام ، وتحريض الخارج عليه ، وتتلقي تمويلاً خارجياً لدعم أنشطة تخلق حالة التناقض بين النظام والجماهير خلقاً ، وتوجدها من عدم ، فهي لا تفترق كثيراً عن المعارضة المسلحة ، بل إنها هي الأخري مسلحة ، ولكن بأسلحة غير تقليدية من أسلحة الأجيال المتعاقبة من الحروب المعاصرة . وهي بذلك معارضة ، ولكنها خارج إطار القانون والدستور . وبعيداً عن مفردات التخوين والعمالة التي قد لا تروق للبعض ، ولا يستسيغها ، باعتبارها أحكام مسبقة يتم تقييم المسالك والتصرفات عليها ، فإننا نحتكم إلي الممارسة العملية ، ثم نستخلص منها الأحكام ، حتي نكون أقرب إلي الواقعية والعدالة . فالسياسة ممارسة قبل أن تكون نظرية ، والنظريات السياسية والإدارية كانت نتاج تطبيقات عملية وممارسات فعلية . والناظر في المشهد السياسي المصري يجد عجباً . فمن يزعم أنه معارض ، أو يزعم أنه زعيم تيار شعبي ، أو خلاف ذلك من مزاعم ، لا يمكنه أن يحرك كتلة معتبرة من الجماهير يمكن أن تكون نداً للسلطة القائمة . وليست تلك مزايدة علي المعارضة ، وإنما أصل من أصولها ، إذ لابد للمعارضة ـ كي نعتبرها معارضة بالمفهوم السياسي ـ أن تتكيء علي شرائح اجتماعية معتبرة ، تمثل نفوذاً فاعلاً في المجتمع ، بحيث تفصح حرية الإقتراع بوضوح عن هذا النفوذ ، وعندها يمكن للمعارضة الزعم بأريحية أنها تمثلهم . فإن لم تتوفر لهذا المعارض تلك القاعدة الجماهيرية ، فإنه لا يمثل إلا نفسه ، ولا يصح له الزعم بأنه يمثل شرائح اجتماعية لا وجود لها إلا في خياله . ولما كانت الإنتخابات الأخيرة وما قبلها ، قد أفصحت بوضوح عن حجم المعارضين في مصر ، فلا يصح لأحد منهم الزعم بأنه يمثل أي تيار معارض . والواقع وبدون أي فذلكة ، ودون أي محاولة للتنظير ، باعتبارهما من آفات العقلية المصرية في الوقت الراهن . أقول بأن ما تشهده الساحة السياسية المصرية مما يسمي تجاوزاً معارضة ـ لعدم ابتكار مسمي آخر حتي تاريخه ـ ليس بمعارضة سياسية علي الإطلاق ، وإن ارتدت ذات الأردية ، وتحذلقت بذات الألسنة . وما يجري ماهو إلا نوع من المكايدة والتنكيد والتنغيص ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ علي السلطة القائمة ، دون إدراك أحيانا ، وبإدراك ووعي وقصد أحايين أُخر، بأنهم يأخذون الشعب في أرجلهم ، ويدوسون عليه بنعالهم ، ويتراقصون علي جثته ، ويتاجرون به في أسواق النخاسة ، ثم يذرفون دموع التماسيح عليه ، متباكين علي حاله ومآله ، بينما لا تزال بقايا لحمه ترقد في سلام بين ثنايا أسنانهم ، التي لم يتسع الوقت لتنظيفها قبل خوض غمار الأحاديث عنها . فما فعله بعض من تصوروا أنهم يتحدثون عن الشعب المصري وحقوقه ، عند مقابلة الرئيس الفرنسي إبان زيارته لمصر ، ينطبق عليه ما قلته آنفاً . إذ أنهم يحرضون الرئيس الفرنسي علي السلطة القائمة بطلب ربط المعونات والمساعدات والإستثمارات وبيع الأسلحة بموضوع الحريات وحقوق الإنسان . ثم يزايدون حتي علي فرنسا في هذا المجال تحت زعم أن محاربة الإرهاب لا تقتضي الإنتقاص من هذه الأمور . وبالقطع هم قد نقلوا إليه مزاعم حول الإنتقاص من الحريات ، والإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في مصر . فإذا ربطت هذه بتلك كما فعلوا فهذا يعني حصار الشعب المصري وتجويعه وتركيعه إذا لزم الأمر . شاهدنا ذلك من قبل في موضوع الشاب الإيطالي ، والطائرة الروسية ، وغيرها ،حتي انطبق عليهم القول بأنهم ملكيين أكثر من الملك . فهل تعد المعارضة التي لا تأخذ احتياجات شعبها ومصالحه ومقتضيات وجوده في الإعتبار معارضة ، أم أنها معارضة للإيجار ؟ ! .
حــســـــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق