الطائفية لغة: الطائفة الجزء. وقد ورد في لسان العرب: الطائفة من الشيء جزء منه، والجماعة والفرقة. وفي المعجم الوسيط: الجماعة والفرقة. وقد جاء في القرآن الكريم:" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ " (الحجرات: آية 9)، و " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (القصص: آية 4) .
أما الطائفة اصطلاحا فهي مذهب ديني مقصور على عشيرة او قبيلة او شعب. أما الطائفية فهي علاقة انتماء إلى طائفة معينه، أو جماعة ذات مذهب معين، والتعصب لها. والطائفية: وضع اجتماعي وسياسي قائم علي التركيب الطائفي . والمجتمع الطائفي هو المجتمع الذي تتحكم في سياسته الطوائف باعتبارالطائفية هي احد انماط التفكير والسلوك الجماعي . وتاريخياً عاني الأقباط من الإضطهاد الروماني، مما دفعهم إلي جانب عوامل أخري، إلي قبولهم باللغة العربية وعاءًا ثقافياً للجميع، مسلمين ومسيحيين . والتراث المسيحي في الصراع مع ما تعرضوا له من اضطهاد، دفعهم دفعاً إلي الفصل بين ما هو زمني، وما هو روحي. واختصت الكنيسة بما هو روحي، وانخرط المسيحيون مع المسلمين في الشأن العام سلباً وإيجاباً . ومن هنا كان موقف الكنيسة المصرية الوطني من مسألة التبشير، ومحاولات التذويب الأوروبي، حتي قال أحدهم، أنه يتعذر التمييز بين المسلم والمسيحي، إلا عند الصلاة، فتجد أحدهم قد دخل المسجد، والآخر قد دخل الكنيسة . وقد جاءت الإشكالية في العودة للمسجد والكنيسة من الزاوية الطائفية، فبعد أن جاء الإسلام بـ:" وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا " ليتجاوز بها حدود الفردية والطائفية إلي إطار عام يحيا بداخله الجميع، أغلق باب الإجتهاد، وظهرت البدع والخرافات، وساد الإستبداد، وكذا الظروف الأخري التي فرضتها القوي الإستخرابية " الإستعمارية تجاوزاً "، فلم تتمكن الأمة من النهوض بأعباءها، مما أدي إلي الردة إلي الشعوبية والقبائلية والطائفية، بحثاً عن حلول لمشاكلهم . ومع ذلك لم تظهر في مصر أية آثار للطائفية . وما ظهر ذلك إلا في الأربعين عاماً الأخيرة، وقد ظهرت بدوافع سياسية . وأصبح المجتمع المصري ليس في جانب واحد، وإنما هنا جانب، وهناك جانب آخر، وقد ظهر التطرف والتعصب في الجانبين، وقام المتطرف والمتعصب من كل جانب بدور نافخ الكير . واستغلت القوي المعادية الأمر، واهتبلت الفرصة ؛ لصب الزيت علي النار، كي يزداد أوارها اشتعالاً، محققة بذلك أهدافاً وأغراضاً سياسية، لا علاقة لها بالأديان . ونسي الطرفان المسلم والمسيحي أنهما تعايشا علي هذه الأرض أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وهي قرون كفيلة بإزالة أي فروق أوحواجز سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو نفسية . يشربون ماءًا واحداً، ويتنفسون هواءً واحداً .
بالقطع ليس هناك عاقل يقول بذوبان الخلاف العقدي بين الدينين، فالخلاف موجود بالقطع . فالإسلام يقول ـ علي خلاف ما يعتقد المسيحي ـ بناسوتية عيسي عليه السلام، وبأنه لم يُقتل، ولم يصلب، وإنما رفعه الله إليه . تلك عقيدة المسلم في عيسي عليه السلام . بينما ينكر المسيحي نبوة محمد، وأن القرآن من عند الله . وبالتالي فإن المسيحي كافر بما يعتقده المسلم من نبوة محمد، والمسلم كافر بما يعتقده المسيحي في طبيعة عيسي ابن مريم، وما حدث له . وتلك حقيقة ينبغي مواجهتها دون أن تترك في النفس غصة أو غضاضة، لأن المعني اللغوي للكفر ستر الشيء وتغطيته . وقضية التكفير قضية نسبية، فأنا كافر بما تعتقد، وأنت كافر بما أعتقد، والله يفصل بيننا يوم القيامة . أما فيما عدا تلك القضية العقدية فلا خلاف بين مسلم ومسيحي، وتحكمنا قاعدة الإسلام الذهبية، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، في إطار عام: " لكم دينكم، ولي دين " . فإذا نظرت في الواقع الإجتماعي المصري فلن تجد كانتونات خاصة بالمسيحيين، أوتجمعات خاصة بهم، أومناطق عازلة من قبيل مناطق الفصل العنصري، ولن تجد لهم قوانين خاصة بمعزل عن قوانين المجتمع . وإنما ستجد ذوبان النسيج المجتمعي في بعضه البعض علي اختلاف ألوانه، حيث يسكنون البيت الواحد، والنجع والكفر والقرية الواحدة، والحي الواحد والمدينة الواحدة، والمحافظة الواحدة، والقطر كله بطول البلاد وعرضها وعمقها الطبقي . فكيف تكون التفرقة أو التمييزأو العنصرية أو الفتنة، وأنت تجد الجار المسلم أقرب إلي الجار المسيحي والعكس، من أمه وأبيه، وأهله . وما يشتكي منه المسيحي المصري هو هو ما يشتكي منه المسلم المصري، غير أن بعض الإخوة المسيحيين يرجعون ذلك إلي أسباب دينية، شأنهم في ذلك شأن كل الأقليات في جميع أنحا العالم، ومن هنا كانت الكلمة الأشهر لأحد المسيحيين المصريين، حين ذهب إلي القول بأنه مسيحي العقيدة، مسلم الثقافة والهوي . وبمراجعة تاريخ اليهودية والمسيحية الذين يجمعهم كتاب مقدس واحد سيجد أن اليهود كانوا يضجون بالشكوي من اضطهاد المسيحيين لهم . ويؤخذ في إطار هذا المقال موقف بعض مسيحيي المهجر ووقفتهم أمام البيت الأبيض احتجاجاً وتنديداً وتحريضاً علي مصر، وموقف الكنيسة المصرية منهم، وموقف الدولة المصرية من الموقفين . فهل يمكن القول بوجود فتنة طائفية في مصر؟ ! .
حــســــــن زايـــــــــد
 

 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق