الاثنين، 10 أبريل 2017

مـصـر مـقــبرة الـغـــــزاة بقلم الكاتب / حسن زايد



مـصـر مـقــبرة الـغـــــزاة


عجباً لذاكرة الإنسان ، تستحضر حدثاً وقع منذ سنوات ، كأنه قد وقع بالأمس القريب . وتنسي حدث الأمس القريب ، وكأنه قد وقع منذ زمن بعيد . وأنا أذكر من ضمن ما أذكر ، كتاباً كان مقرراً علينا في السنة الأولي من مرحلة التعليم الإعدادي ، لا أذكر مؤلفه ، ولا تفاصيل أبوابه ، وفصوله ، وتفريعاته . وأظن أنه من المتيسر البحث عنه ، علي الشبكة العنكبوتية . إلا أنني لم أكلف خاطري مؤنة البحث ، واكتفيت من الكتاب كله بفكرة واحدة وهي : أن مصر مقبرة للغزاة علي مر التاريخ ، وتطاول الأزمان ، وتناوب المحن التي مرت عليها . وتقفز هذه العبارة / التاريخ إلي ذهني كلما ألمت بمصر ملمة ، أو نزلت بها نازلة ، إذ فجأة ينزاح غبار الذاكرة ، وتبرق الفكرة / العبارة ، برقاً خاطفاً ، تبزغ معه إشراقة الأمل . تلك هي مصر عبر ما قرأت في بطون الكتب من تاريخ ، وعبر ما مر بها من إحن في حياتي ، وعلي مرمي البصر مني . في كل مرة تظنها انكفأت ، أو انكسرت ، أو ذابت ، أو تلاشت ، أو انتهت من ذاكرة التاريخ ، فإذا بها تنهض من جديد ، من تحت رمضاء الحرائق الحارقة . من أجل ذلك كان لها حضارة مقاومة علي مر الزمن ، تخبر الناس كل صباح ، أن هنا علي أرضها ، كانت حضارة ، منذ القدم ، ما زالت قائمة . وكل من غزاها طمرته رمالها ، وطواه الزمن في باطن أرضها . انكسر ، وذاب ، وتلاشي ، وانتهي ، وبقيت مصر .
وليست الأوطان بأرضها فقط ، ولا بموقعها الجغرافي ، ولا بتاريخها وحسب ، وإنما الأوطان بالإنسان متفاعلاً مع الأرض والتاريخ والحضارة . وتستمد قيمة الأوطان من تاريخ الإنسان فيها . ومصر الحضارة شاهد غير مكذوب علي المصري . ذلك الإنسان الذي تنتقل جيناته الوراثية ، عبر العصور والأزمان . تتوارثها الأجيال ، حتي عصرنا الحاضر . وما أن تنكش في شخصيته ، حتي تتجلي لك موروثاته لامعة بهية . وموروثاته ، سر بقاء شخصيته ، وعمودها الفقري .
مصر عبدالله الشرقاوي ، وعمر مكرم ، وعرابي ، ومصطفي كامل ، ومحمد فريد ، وسعد زغلول ، والنحاس ، وجمال عبد الناصر . مصر الشعب الذي واجه المظليين في حرب 1956م ، بأغطية الأواني . مصر الشعب الذي هزم جيشه في 1967م ، وخرج إلي الشوارع يهتف : " ها نحارب " . مصر الشعب ، الذي رفض استقالة زعيمه المهزوم ، وهتف وهو يبكي : " يا ابو خالد يا حبيب ، بكرة نخش تل أبيب " . مصر التي دخلت حرباً للإستنزاف ـ ضد دولة مدعومة دولياً ـ بعد الهزيمة بشهرين . مصر التي حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وعبرت ـ تحت القصف ـ أكبر مانع مائي في التاريخ ، وحطمت خط بارليف الحصين ، وقطعت اليد الطولي للعدو الصهيوني في المنطقة . مصر محمد فوزي ، وعبد المنعم رياض ، وأحمد اسماعيل علي ، وسعد الدين الشاذلي ، والجمسي وغيرهم . تلك هي مصر .
وفي المقابل كان في مصر من أبناء مصر من يتربي علي كره مصر وشعبها ، جماعة تربت في أحضان المخابرات البريطانية ، لخدمة الأغراض الإستعمارية ، من حيث علموا أم لم يعلموا ، علمتهم أن الولاء للأرض وثنية ، وأن الوطن ليس إلا مجرد حفنة من التراب ، النتن أو العفن . علمتهم أن الوطن الحق هو العقيدة ، وأن الولاء والبراء ليست إلا للعقيدة ، وأن الإنتماء للوطن شرك ، والإنتماء للعقيدة عبادة . وأن الحكام وولاة الأمر أوثان وطواغيت ، يعبدوا من دون الله . وأن الشعوب تعيش في جاهلية ، أشد وأنكي من الجاهلية الأولي . ثم ورثتها المخابرات الأمريكية . ومنذ ظهرت نبتتهم الخبيثة في أرض الوطن ، وهم يتبنون منهج القتل والترويع باسم الله . قتلوا النقراشي ، والخازندار ، وماهر ، ومحاولة اغتيال عبد الناصر ، وذبحوا الشيخ الذهبي ، وقتلوا السادات ، وحاولوا قتل مبارك . قتلوا رفعت المحجوب ، وحاولوا قتل النبوي اسماعيل ، وزكي بدر ، وأبو باشا ، ومحمد ابراهيم . قتلوا فرج فودة ، وحاولوا قتل مكرم محمد أحمد ، ونجيب محفوظ . وقائمة لا تنتهي من القتل ، ومحاولات القتل ، والتهديد بالقتل .
هم الجماعة الأم لكل جماعات الإرهاب والتطرف باسم الدين التي ظهرت علي الكرة الأرضية بأطرافها . هي الأم لجماعة التكفير والهجرة ، والجماعة الإسلامية ، وجماعة الجهاد ، والجماعة السلفية ، والتوقف والتبيين ، والقاعدة ، وداعش ، والنصرة ، وجيش الشام ، وحماس ، وجيش محمد ، وبوكوحرام . وما لا يحصي من الجماعات الصغيرة ، وما عرف بالذئاب المنفردة .
عبثوا بعقول الشباب ، ووعيهم ، وإدراكهم ، وأفهموهم أن هذا هو الدين الحق ، وما دونه هو الباطل . سكتت الشعوب عن الحق ، فتوهم هؤلاء باطلهم حقاً ، وحقهم ديناً ، وحق الناس كفراً وجاهلية . عقول مريضة شائهة غزتها الأوهام ، وبعد أن كانت الدعوة إلي الله بالحكمة ، والموعظة الحسنة ، أصبحت الدعوة بالسكين والسلاح ، والقنابل المتفجرة ، والأعمال الإنتحارية . لقد تحولوا من أبناء للوطن ، إلي غزاة له . يفجرونه من الداخل بغية احتلاله بأدمغة احتلت من قبل ، بغية الوصول إلي حكمه ، ولو أصبح خرابة . وهنا نقول لهم : أيها الغزاة الجدد ، هنا مقبرتكم ، وتحيا مصر .
حــســــــن زايــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق