الأحد، 2 أبريل 2017

إغـتـيـــال مــا بعـــــد الإغـتـيــــال بقلم الكاتب / حسن زايد

      



إغـتـيـــال مــا بعـــــد الإغـتـيــــال
( 1 )

يبدو أنه لم يعد ترفاً أن نجلس إلي أبنائنا وأحفادنا ، ونحكي لهم ، ما حدث لنا في الماضي القريب ، وما زالت آثاره وتداعياته فاعلة ، في واقعنا وواقعهم الذي نحياه سوياً علي نحو آني ، قبل أن نرحل عنهم ، فلا يجدوا من يحكي لهم . أن نسطر لهم وقائع التاريخ ، بعيداً عن التناول الأكاديمي الجاف ، الذي ـ غالباً ـ لا يجد طريقه إلي الشارع ، وإنما يبقي تأريخاً للتاريخ ، تضمه أرفف المكتبات بين ضلوعها وحسب ، ولا تمتد إليه سوي أيادي المتخصصين . وترجع أهمية هذا الحكي إلي محاولة إبقاء الوجدان الشعبي حياً متفاعلاً ، موصول الحلقات ، مدركاً للمقدمات والنتائج ، قادراً علي استخلاص الأحكام ، وصياغة المواقف والقرارات . ومن الحكايات العبقرية في تاريخ الأمة المصرية ، ذلك الرجل الذي قطع الراديو الإسرائيلي إرساله يوم 13 يونيو 1980 م ليذيع عنه نباً عاجلاً ، كان نصه : " سيكون من الصعب جدًا على العراق مواصلة جهودها من أجل إنتاج سلاح نووي في أعقاب اغتيال دكتور يحيى المشد " . وفي اليوم التالي مباشرة كان المقال الإفتتاحي للصحيفة الأشهر في إسرائيل " يديعوت أحرنوت " عنوانه : " الأوساط كلها في إسرائيل تلقت نبأ الاغتيال بسرور ". وهنا يتبادر إلي الذهن تساؤل مؤداه : من يكون هذا الرجل ؟ . ولماذا تحتفي إسرائيل باختفائه وتغييبه إغتيالاً علي هذا النحو ؟ .
أما عن الرجل ، فهو الدكتور يحيي المشد . ولد في مدينة بنها بمصر سنة 1932م . تعلم في مدارس مدينة طنطا ، ثم التحق بكلية الهندسة ـ قسم الكهرباء ـ جامعة الإسكندرية . وتخرج منها عام 1952 م ، وكان ترتيبه الثالث علي دفعته . ولا أدري إن كان من حسن حظه ، أم من سوءه ، أن تصادف تخرجه مع ثورة يوليه 1952م . حيث شهدت هذه الفترة تغيرات دراماتيكية في علاقة الدول الإستعمارية " الإستخرابية " والدول المستَعمَرة " المنهوبة " ، حيث بدأت شمس الإمبراطوريات التقليدية في الغروب ، علي أيدي أبناء هذه الشعوب المستضعفة . وقد شهدت هذه الفترة انبعاث المد القومي العربي ، مصحوباً بنية صادقة ، وتحركات واعية ، بنفض غبار السنين السوداء التي عاشتها تحت نير الإحتلال . وفي هذا الإطار أختير المشد لبعثة الدكتوراه إلي جامعة كامبردج اللندنية سنة 1956م ، فشد الرجل الرحال ، تحدوه الأمال العريضة ، في تحقيق ما يصبو إليه ، ويحلم به لنفسه ، من الولوج إلي معترك البحث العلمي ، شأنه في ذلك شأن أنداده من الشباب ، وهو لم يجاوز الرابعة والعشرين من العمر ، ولأسرته التي علمت وأنفقت الوقت والمال من أجل بناء هذا الرجل ، ولبلده بالعودة إليها ، للمشاركة في نهضتها المأمولة . كان يظن أن الأمور ستعبر به إلي معتركه ، علي نحو هاديء وسلس في عاصمة الضباب ، بعيداً عن المنغصات ، حتي يقفل عائداً غانماً لأهله وبلده . إلا أن السياسة أبت عليه ذلك قدراً لا اختياراً . ففي أثناء وجوده في لندن ، جري حياكة مؤامرة دولية ، تستهدف ضرب الثورة والدولة الجديدة الوليدة ، وإعادتها إلي حظيرة التبعية ، فكان العدوان الثلاثي علي مصر سنة 1956م ـ " وقد كان هناك عيداً يطلق عليه : " عيد النصر " وكانت تحتفل مصر به يوم 23 ديسمبر من كل عام " ـ والذي علي إثره ، جري استدعاء الدكتور المشد ، من بعثته إلي لندن .
تحولت البعثة ، وتغير مسارها ، إلي موسكو . إلا أنه قبل سفره ، تم زفافه إلي إحدي بنات عمه ، واصطحبها معه ، وسافرا سوياً . وأعتقد أن ذلك مرده ، أن يجد الشاب من يحمل عنه الأعباء ، التي قد تعوقه عن تحصيله العلمي ، وبحثه ، وأنشطته . وفي ذات الوقت تمثل وقاية له ، من احتمالية الإنزلاق ، وراء مثالب النفس ، وإغواءاتها . وهذا النوع من التفكير ، غالباً ما يكون سائداً في أوساط الريف المصري ، خاصة في تلك الحقبة من الزمن .
غادر الشاب وزوجته إلي موسكو ، وهناك قضي ست سنوات كاملة ، عاد بعدها إلي مصر حاصلاً علي درجة الدكتوراه في هندسة المفاعلات النووية . ولم تكن مجرد دكتوراه ، وإنما عاد بها ، وهو واحداً من أهم عشرة علماء علي مستوي العالم ، في مجال التصميم والتحكم في المفاعلات النووية .
التحق الدكتور المشد عند عودته بهيئة الطاقة الذرية المصرية ، التي أنشأها جمال عبد الناصر ، حيث كان يقوم بعمل أبحاثه فيها . بعدها سافر إلي النرويج بين سنتي 1964م ـ 1966م . ثم عاد إلي القاهرة أستاذاً مساعداً بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية ، وقد كان عبد الناصر قد أمر بإنشاء قسم الهندسة النووية فيها . ثم سرعان ما تمت ترقيته إلي درجة الأستاذية ، وأشرف علي العديد من الأبحاث والرسائل ، فضلاً عن نشره أكثر من خمسين بحثاً . ثم سرعان ما انتكس مشروعه ، بعد نكسة سنة 1967م .
وللحديث بقية ، إن كان في العمر بقية ،،،،
حـــســــــن زايـــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق