الأحد، 2 أبريل 2017

إغـتـيـــال مــا بعـــــد الإغـتـيــــال ( 2 ) بقلم الكاتب / حسن زايد





إغـتـيـــال مــا بعـــــد الإغـتـيــــال
( 2 )

في المقال السابق (1) تحدثنا عن سفر الدكتور / المشد إلي دولة النرويج ، وقضي فيها عامين من 1964 م إلي 1966 م . فبعد إشرافه علي ثلاثين رسالة دكتوراه ، ونشر خمسين بحثاً علمياً باسمه ، معظمها تركز حول تصميم المفاعلات النووية ، ومجال التحكم في المعاملات النووية ، تلقي عرضاً للتدريس في دولة النرويج ، فقبل العرض ، وسافر وبرفقته زوجته ، ولم يكن يعلم أن في اصطحابه لزوجته ـ قدراً ـ تبرئة لساحته ، من محاولة تلويث سمعته ، واغتياله أدبياً ، وإشارة دالة علي تدينه ، وخروجه من دائرة الشبهات ، التي حاولوا إدخاله فيها ، فبرأه الله . فالرجل الحريص علي اصطحاب زوجته في مثل هذه الرحلات إلي الخارج ، إنما هو رجل حريص علي مكارم الأخلاق . وهناك تلقي عروضاً كثيرة للحصول علي الجنسية النرويجية ، وصلت إلي حد الإلحاح ، والمطاردة اليومية ، ناهيك عن الإغراءات المادية والأدبية التي يسيل لها اللعاب ، إلا أنه أبي ذلك . رفض الرجل كل العروض التي عرضت عليه . وأثناء وجوده هناك تلاحظ له ، وآثار فضوله أن الإعلام هناك ، موجه لخدمة الصهيونية العالمية ، في ظل تجاهل تام ، وصمت مطبق متآمر، حيال القضية الفلسطينية ، التي تعد صناعة غربية في الأساس . مناصرة مطلقة عمياء في جانب الباطل ، وسكوت وتجاهل تام في جانب الحق . وقد كانت قضية العرب الأولي المحورية في ذلك التاريخ هي القضية الفلسطينية ، وما كان المد القومي العربي إلا محاولة لاستنهاض الهمم ، وشحذ العزائم ، من أجل استعادة الحق الفلسطيني ، كاملاً غير منقوص ، ولفظ ذلك الكيان الغاصب المنغرس في جنب العالم العربي ، وإعادة مفرداته إلي ما كانوا عليه من شتات ، وتيه في الأرض . وقد كان وقود هذا المد القومي ، هو الشباب المتحمس ، الصاعد الواعد المتوعد ، المشمر عن سواعد الجد . وقد كان من بين هؤلاء الشباب ، العالم الشاب المتحفز ، يحيي المشد . فقد اشتاط غيظاً ، من ذلك الموقف اللامتوازن حيال القضية الفلسطينية ، في بلاد قتلها زعم الحرية ، وحقوق الإنسان والعدالة ، وكأنهم يقولون ما لا يفعلون ، أو أن دعوتهم لذلك ، قاصرة علي شعوبهم ، دون بقية شعوب الأرض . وقد كان الرجل مدركاً لمكانته العلمية في تلك البلاد البعيدة ، التي قد يكون من الصعب وصول الصوت العربي إليها ، وإن وُجِد فمن الصعب أن يكون مسموعاً ، وإذا سُمِع فمن الصعب الإكتراث به . فعكف علي إعداد خطبة طويلة ، بشكل علمي منمق ، حول القضية الفلسطينية ، والإحتلال الإسرائيلي . وقد عقد العزم علي إسماعها لهم في أقرب فرصة ، تتاح له ، للتحدث إليهم . ولم يطل به مقام الإنتظار ، وانتهز فرصة دعوته إلي إحدي الندوات المفتوحة ، واصطحب معه خطبته ، وهناك ألقاها علي الجمع الغفير ، الذي حضر للندوة . وكانت كلمته مثار إعجاب الكثيرين ممن استمعوا له ، ولكنها في ذات الوقت أثارت حفيظة اللوبي الصهيوني ، وعملاء الموساد ، وضباطه في النرويج ، واستثارت غضبهم وحنقهم علي الرجل ، خاصة وأن كلمته قد وجدت صدي في نفوس الكثيرين . وقد وجد اللوبي الصهيوني ضالته في خطبة الرجل ، حيث أن الرجل كعالم تحدث في السياسة ، وعندما يتحدث لسان العلم في السياسة ، فإنه يترك الباب مفتوحاً لكيل الإتهامات لصاحبه ، بالتعصب ، وهذا مدعاة لإعلان الكراهية . وربما كانت هذه الخطبة علي الأرجح سبباً رئيساً في تعقب الرجل ، وترصد خطواته ، والتضييق عليه بشدة ، مما حدا به إلي اتخاذ القرار الفوري ، بالعودة إلي أحضان بلاده الدافئة . ولم يمض وقتاً طويلاً علي عودته إلي القاهرة ، حتي وقعت حرب الأيام الستة ، حرب يونيو سنة 1967م . وهي الحرب التي بعثرت الحلم العربي ، بعد تدميره ، إلي شظايا صغيرة ملتهبة ، تحترق معها وبها كل الأحلام ، التي لم تنضج بعد ، ولم تشب عن الطوق . وكان من نتائجها المأساوية المفجعة إزدراد بقية أرض فلسطين بالكامل . وقضم شبه جزيرة سيناء من مصر ، وهضبة الجولان من سورية . وأدت إلي مقتل 15000 ــ 25000 عربي مقابل 800 اسرائيلي فقط ، بخلاف الجرحي والأسري ، بالإضافة إلي تدمير 70% ــ 80 % من العتاد الحربي العربي ، مقابل 2% ــ 5% من العتاد الإسرائيلي . كما أدت إلي تهجير معظم سكان مدن القناة الثلاثة ـ السويس ، الإسماعيلية ، بورسعيد ـ في مصر ، ومحافظة القنيطرة في سوريا ، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين ، من الضفة ، بما فيها محو قري بأكملها ، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية ، والضفة الغربية. وأصاب التفكير العربي انتكاسة مروعة أدت إلي النكوص الحتمي للحلم القومي العربي ، ولم تعد القضية المحورية هي القضية الفلسطينية ، ولم تنحصر القضية في محور واحد ، وإنما تعددت المحاور ، وأعيد ترتيب أولوياتها بحكم الواقع المفروض بقوة السلاح . فأصبحت القضية المحورية لمصر ، مختلفة عن قضية سورية ، مختلفة عن القضية الفلسطينية ، مختلفة عن قضايا بقية العرب . فلم يعد الأمر جرحاً واحداً ، وإنما تعددت الجراح . وانكفأ كل مجروح علي جرحه لمداواته كأولوية أولي . وكان من الطبيعي أن تتوقف حركة الحياة في مصر ، ومعها توقفت حركة البحث العلمي ، وتجميد البرنامج النووي المصري ، وإيقاف الأبحاث في المجال النووي . وعلي إثر ذلك تجمد العديد من العلماء والخبراء في المجال النووي . ومن بين هؤلاء العلماء الدكتور / يحيي المشد ، الذي لم يكن البحث العلمي بالنسبة له مجرد مهنة ، وإنما رسالة حياة . وظل الوضع علي ما هو عليه ، حتي وفاة عبدالناصر ، بعد النكسة بثلاث سنوات . فماذا فعل يحيي المشد علي إثر ذلك ؟ . هذا ما سنقف علي حقيقته ، في المقال القادم ، إن كان في العمر بقية ،،،،
حــســـــــن زايــــــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق