الجمعة، 22 يوليو 2016

أفلوطين إمام التصوف بقلم هشام نادى

أفلوطين إمام التصوف
التصوف فى تعريفه البسيط هو حالة من السمو والترفع عن متاع الدنيا والزُهد والتقرب إلى الله أو كما يقولون "صافى الله فصافاه الله", وقال أحد المتصوفة (التسترى) أن مذهب التصوف مبنى على {الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال}, أما عن أصل كلمة الصوفية فقط إختلف فيها المفسرين .. فمنهم مَن قال بأن "الصوفي مَن صفا قلبه لله ", وقال آخر "الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه ", وقال غيره "إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء آثارها"، وقال أخير بأن الكلمة أصلها يوناني، وأشتقت من (سوفيا) ومعناها الحكمة, جديد بالذكر أن كلمة فلسفة مكونة من (فيلو - سوفيا) ومعناها محبة الحكمة.
وكما أثرت مصر فى شكل العقائد السماوية من طقوس معينة فى اليهودية والمسيحية والإسلام , فقد أثرت أيضاً فى مضامين تلك الأديان .. ففى اليهودية نجد سفر الأمثال المنسوب لسليمان الحكيم هو فى الأصل مأخوذ عن الحكيم المصرى "أمنموبى"(*1), وأيضاً مزامير النبى داوود تتشابه إلى حد كبير مع أناشيد "إخناتون", أما فى المسيحية فأدخلت عليها مصر الرهبنة وغير ذلك من تأثير, أما بالنسبة للإسلام فبعيداً عن أن ألفاظ { نبى - دين - وضوء - ماعون - صوم - حج - .... إلخ} كلها مصرية فقد أدخلت مصر التصوف وهو الفكر الفلسفى إلى الإسلام وذلك إستناداً لشروحات وأفكار واحد من أعظم الفلاسفة المصريين وهو "أفلوطين" الصعيدى.
"أفلوطين" هو فيلسوف اللاهوت المصرى الصعيدى ولد عام 205 م فى مدينة ليقوبوليس / ليكوبوليس وهى المنيا, وخرج منها وإستقر فى الإسكندرية للتعلم لمدة 10 سنوات, وقضى أفلوطين سنوات حياته الأخيرة في التدريس بروما, وهو مؤسس الأفلوطينة الحديثة وهى نقد وتعديل لفكر أفلاطون اليونانى, ويُعد "أفلوطين" آخر مَن إتبع ديانة قدماء المصريين التوحيدية(*2), وله نظريات عدة فى تأمل الوجود والخلق ونشأة الكون ومآلات كل ذلك وفى الخير والشر, وإنتشر بعضها فى القرن الثالث وما بعده إنتشاراً مماثلاً لإنتشار نظرية (الانتخاب الطبيعى / الترقى والنشوء) لداروين, وكان من أشهرها (وحدة الوجود - الصدور أو الفيض), والذى أثرتا كثيراً فى نشأة التصوف حيث كان يقول:
{الواحد (الله) مصدر كل الحقيقة والخير والجمال, وإليه تؤول كل الموجودات} وأيضاً قال أن { كل ما هو مادى ملموس ما هو إلا صورة مزيفة لما هو موجود فى مكان الوجود الأصلى, وأن هيئة الإنسان ذاتها لا تخرج على هذه القاعدة}.
من عجائب "أفلوطين" أنه كان يكره التدوين وأيضاً كان يرفض التصوير أو أن يُصنع له تمثالاً, وهذا إتساقاً مع فكره السامى والمترفع عن متاع الحياة, فقد كانت حياته مثالاً حياً على الزُهد والتقشف لتطهير الروح, فقد كان لا يبيح لنفسه الطعام إلا ما يبقيه حياً وكان يصوم يوماً بعد يوم(*3), ولولا وجود تلميذه النجيب "فرفوريوس" لما وصلنا شيئاً من علمه .. حيث أنه إهتم بمحاضراته وتدوينها وترتيبها بشكل شخصى, وجمع لنا 54 مقالة وقسمهم إلى 6 مجموعات كل مجموعة مكونة من 9 محاضرات / مقالات ولهذا تـُسمى كتابات "أفلوطين" بالتاسوعات / التساعات أو أثولوجيا أى الربوبية.
أما أثر "أفلوطين" المباشر على علماء المسلمين فنجد أن كلً من إبن سينا- ابن الفارض - ابو حامد الغزالى تأثروا بفكره, وتذكر د. نعمات أحمد فؤاد أن محيى الدين بن عربى، المتصوف الأندلسى، قد تأثر بأفلوطين تأثراً بعيد المدى، بل وأكثر من ذلك, هل تعلم أن (رسالة فى العلم الالهى للفرابى) ما هى إلا إستخلاصات متنوعة من التساع الخامس لأفلوطين (*4), ولكن أخطر تأثير لأفلوطين فى الإسلام هو إعتبار بعض أراءه وأقواله من الأحاديث القدسية, فقد إختلط الأمر على الأسلاميين وأدرجوا بعضاً من تصوراته ضمن هذه الأحاديث وأنطقوا الرسول محمد(ص) بها, ومن أمثلة ذلك:
# (أول ما خلق الله العقل .. قال له أقبل فأقبل . ثم قال له أدبر فأدبر .. ثم قال له وعزتى وجلالى ما خلقت خلقاً أكرم علىَّ منك .. بك آخذ وبك أعطى وبك أنيب وبك أعاقب)
# وحديثا آخر يقول ( كنت نبياً وآدم بين الطين والماء)(*5).
وهى ليست بأحاديث قدسية ولا نبوية ولا قيلت أصلاً بعد الإسلام.
ومن أبرز المتأثرين بأفلوطين على المستوى الرفيع هى الشهيدة عالمة الرياضيات والفيلسوفة المصرية "هيباتيا", والتى راحت ضحية الجهل والتعصب, فقد لاقت مصيراً شنيعاً حيث تم التحريض من الكنيسة (البابا كيرولس الأول) ضدها ونفذ المهمة مجموعة من الحمقى وقتلوها حرقاً بعد أن سلخوا جلدها وسحلها عارية فى شوارع الإسكندرية.
وتبقى مصر كعادتها تُمصر كل شئ بعمق ثقافتها وبالمخزون الحضارى الممتد عبر آلاف السنين .... تـحـيـا مـصـر
سليل الفراعنة - Hesham Nady
18 يوليو 2016
المراجع :
1- فجر الضمير . جيمس برستيد صـ 407
2- قدماء المصريين أول الموحدين - نديم السيار - صـ 16
3- قصة الفلسفة اليونانية - زكى نجيب محمود - صـ 268
4- نشأة الفكر الفلسفى فى الاسلام - على سامى النشار - جـ 1 صـ 182
5- نشأة الفكر الفلسفى فى الاسلام - على سامى النشار - جـ 1 صـ 185

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق