السبت، 10 ديسمبر 2016

إقــتراف فـعـل الـكـتـابــة بقلم الكاتب / حسن زايد



إقــتراف فـعـل الـكـتـابــة

ونحن نعيش أجواء ذكري مولد النبي محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ لابد لنا من التوقف مع أنفسنا ، ومراجعتها علي أساس ما تركه لنا هذا النبي الأعظم من قرآن وسنة . ليس لتجهيل المجتمع وتكفيره ، واستباحة دمه ، علي نحوما يفعل التكفيريين الآن . أو لاكتشاف أن ما تركه لنا النبي قد نزل لزمنه ، ولا يصح استصحابه مع الأجيال المتعاقبة ، باعتبار أن دعوي صلاحيته لكل زمان ومكان هي دعوي باطلة ، لا سند لها من الواقع ، كما يذهب إلي ذلك من يتبنون فكرة إنكار الدين ، أو اعتباره أثقال معلقة بأقدام الأمة ، تسحبها إلي الخلف ، أو تقعدها عن الحركة ، أو تعوق حركتها للأمام . فنحن لسنا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء نميل . ولسنا كذلك في حاجة إلي استعراض ما تركه النبي محمد صلي الله عليه وسلم لفحصه والتدقيق فيه ، واختيار ما يصلح ـ من وجهة نظرنا ـ لهذا الزمان وما لا يصلح ؛ لأن مسألة صلاحية الدين الخاتم لكل الأمكنة والأزمنة ، مسألة مفروغ منها ، لأنه غير محدد ـ زماناً ومكاناً ـ بظهور نبي آخر ، يُقَوِّم ما اعوج من المسالك ، ويصلح ما فسد أو عطب من القيم والأخلاق ، وإنما هودين ممتد إلي آخر الزمان ، وآخر وحي السماء إلي أهل الأرض ، ودين نبي آخر الزمان . فلا محل للقول بعدم الصلاحية ، ولا محل للقول بعدم الإمتداد زمانياً ومكانياً . ولا يقدح في ذلك وجود أناس غير مؤمنين بهذا الدين ، سواء لأنهم يدينون بدين آخر ، أو لا يدينون بدين علي الإطلاق . ووجود هؤلاء وهؤلاء يثبت القاعدة ولا ينفيها . ونعود إلي ما بدأنا به ، وهو حاجتنا إلي التوقف والتبين ، ومراجعة أنفسنا ، علي ضوء القرآن والسنة ، وليس العكس . فإذا ما أتيحت لنا هذه المراجعة تبين لنا أين الخلل في منظومتنا القيمية ، وحجم هذا الخلل ، ونوعه ، ولعلمنا كيفية معالجة هذا الخلل في أنفسنا من خلال الكتاب والسنة كذلك . ولعل أحدنا لا يستطيع أن ينكر حجم ونوع الخلل الذي أصاب منظومتنا القيمية الفاعلة في المجتمع . فحجم الفساد الطافح في المجتمع مرده وجود هذا الخلل . وقد تشعب الفساد وتمدد ، وانتشر وتوغل ، واستشري كالداء العضال في المجتمع . فهناك اختلالات هيكلية في منظومة القيم الحاكمة جعلت من الرادع الفردي في حالة ثبات أقرب إلي الموات . وإذا كان الضمير الجمعي ، أو الرادع الجمعي متعافياً ، فإنه يقوم علي التقويم الذاتي لأفراده ، بالإصلاح والتأديب والتهذيب . وعندما يغيب الضمير الجمعي ، أويُغَيَّب ، أو يذهب هو الآخر إلي حالة الثبات الأقرب إلي الموات ، في هذه الحالة يصبح المسلك الفردي منفلتاً بلا ضابط ولا رابط ، ويستشري الفساد في البر والبحر ، وتلحق آثاره المدمرة بالبلاد والعباد والشجر والدواب . وهذا ما حدث في مجتمعنا . وقد كانت من أخطائنا التاريخية التي أفضت إلي هذه النتيجة الحتمية ، الفصل بين فقه العبادات وفقه المعاملات ، وتضخم فقه العبادات تضخماً يستعصي علي الحصر والاستيعاب من جانب الفرد المسلم . وتقزم واضمحلال فقه المعاملات ، وتآكل دوره ، وانقضاء فاعليته في النفوس ، حتي وقع فينا هذا الفصام النكد بين عباداتنا ومسالكنا. وفي مصرنا الحبيبة حدث هذا الفصام حين فصلنا التعليم الأزهري عن التعليم العام . وتصورنا أن هذا الفصل يمثل إصلاحاً للتعليم . فأصبح لدينا تعليم عام بمنأي عن الدين ، اللهم إلا من كتاب وحيد ، يقوم علي تدريسه غير متخصص ، ولا تضاف درجاته إلي النتيجة العامة للطالب . بما يعطي انطباعاً نفسياً بأن مادة الدين ليست بالأمر المهم أو المؤثر . أما طالب التعليم الأزهري فيحمل بأعباء دراسة المواد الشرعية ـ نسبة إلي الشريعة ـ وإلي جانبها المواد الثقافية . وهي فكرة براقة جاذبة من حيث الشكل ، حيث سيتم تفريخ طلاب يعايشون العصر ، بدراسة المواد الثقافية ، ويعايشون الدين بدراسة المواد الشرعية . أما من حيث الموضوع فقد أضحي كالراقص علي السلم ، لا أدرك صعوداً ، ولا هبوطاً . وفي ذات الوقت يعيش الطالب الأزهري، في مجتمع في حالة فصام مع القيم الدينيه ، إلا ما يراه من شعائر تعبدية يلتزم بها الأفراد علي نحو فردي . ومعظم القيم الدينية السائدة في المجتمع جري تلقيها شفاهة ، ونقلها إلي الأجيال اللاحقة ، نقلاً سماعياً ، باعتبار أنها هي الدين . ومثل هذه البيئة الإجتماعية هي البيئة النموذجية لأصحاب الفكر المتطرف الإرهابي ، الذين هم في نفس الوقت ضحايا للجهل المجتمعي بالدين الصحيح ، الخالي من الغبش البشري الذي طاله في تعاقب الأجيال ، وباختلاف ظروف الزمان والمكان . فعودتهم للإغتراف من كتب هذه الأجيال المتعاقبة ، دون تنقية ، ودون تملك الأدوات المؤهلة ، للأخذ عن هذه الأفهام المختلفة ، هي علة رئيسة فيما يعانون منه من تطرف وإرهاب ، وعدم قدرة علي التوافق مع المجتمع ، واصلاحه من الداخل ، إلي جانب أمراضهم الشخصية . والمخرج من هذا المأزق يتمثل في إعادة الدين إلي المدارس ، لإعادة غرس منظومة القيم الإسلامية في النفوس ، إدراكاً ووجداناً وسلوكاً . فهل إلي هذا المسلك من سبيل ؟ . صلي الله علي محمد ، صلي الله عليه وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق