الثلاثاء، 26 يناير 2016

الـثــورة وســـقوط الأقـنـعـــــة بقلم الكاتب حسن زايد




الـثــورة وســـقوط الأقـنـعـــــة

بـقـلـم / حــســــن زايــــــــــد
لقد وصلنا في عهد مبارك إلي حد الإختناق بلا ريب ، فلا هو أغرقنا حتي نموت ، ولا تركنا نحيا كبقية خلق الله . وأعاد إلينا مجتمع ما قبل الثورة ، مجتمع النصف في المائة . فئة قليلة مترفة إلي حد التخمة ، وبقية الشعب تواجه الجهل ، والجوع ، والعري ، والتشرد ، والإختناق ، والمرض ، والعيش في كنف الأموات في المقابر . ويفتقر إلي حق الأنين والتأوه . ومع أولي خطوات الثورة سقطت أقنعة النظام المباركي المزيفة ، وأسفرت بلا مواربة ،عن كل الأسباب والمبررات الموضوعية ، التي كرسها بيديه ، وبفساد نظامه ، وتعفنه ، وانتهازيته ، والتي دفعت في اتجاه اندلاعها دفعاً ، وقد انكشفت أوجه الفساد ، انكشاف أغطية مجاري الصرف الصحي عن كافة المخلفات البشرية المتعفنة ، التي أفصحت روائحها النتنة ، الزاكمة للأنوف ، عن أن نظام مبارك لم يكن نظاماً يدير دولة ، وإنما مافيا تدير منظومة فساد لا متناهية ، ولم تتكشف أبعادها بعد . وقد أحال الفساد الدولة إلي دولة هشة مخوخة ، منخورة ، ولم يبق منها سوي قشرة الهيكل الخارجي وحسب . وقد بلغت من الهشاشة حداً يصعب تصوره ، وكأني بها بحال سليمان الذي مات متكئاً علي عصاه ، وما دل علي موته سوي دابة الأرض التي أكلت منسأته . وقد جاءت ثورة يناير لتطيح برأس هذا النظام ورموزه ، وهي ثورة بالمقاييس العلمية المتعارف عليها بين علماء السياسية والإجتماع ، بمقتضي حجم المشاركة الشعبية الفاعلة فيها ، وما يسمي بالكتلة الحرجة . إلا أن هذه المقاييس مكانها قاعات الدرس ، وأبحاث الباحثين ، وتحليل المحللين ، من علماء السياسة والإجتماع والتاريخ وغيرهم . وهي لا تعني رجل الشارع في شيء ، إذ لا يعني رجل الشارع سوي ما يحسه ويراه ويلمسه ويشتم رائحته ويتذوق طعمه . فما الذي وجده رجل الشارع ، غير المسيس ، وغير المؤدلج ، الذي شارك في الثورة في أيامها الأولي ، وكان يظن أن عهد قديم قد انتهي ، وأن هناك بشائر عهد جديد تلوح في أفق فجر وليد ؟ . لقد وجد أطيافاً بلا معالم سياسية تتناحر فيما بينها ، سعياً لتصدر المشهد السياسي ، الذي لاتخلو ألوانه من اللون الأحمر الداكن ، وجريح هنا ، وقتيل هناك ، وحرق وتدمير ، وسطو مسلح ، واختطاف ، ومزايدات صاخبة . توقفت حركة السياحة ، والأنشطة الإقتصادية ، وأغلقت بعض المصانع أبوابها ، وهرب بعض رجال الأعمال بأموالهم ، وتوقف تدفق الإستثمارات الأجنبية ، وتأثرت حركة التصدير والإستيراد ، وانخفضت القوة الشرائية للجنيه ، وزادت حدة التضخم ، والركود الإقتصادي . لقد أصاب المواطن العادي عضة تردي الوضع الإقتصادي ، فزادت من تعميق جراحه ، وأصابه الفزع المرعب من عدم استقرار الوضع السياسي ، المصحوب بتردي الوضع الأمني ، الذي حمل المواطن إلي تولي تأمين نفسه بنفسه ، ليس من باب الشجاعة ، بقدر ما هو التماس لأدني إشباع ، لحاجة الأمن ، التي تعتمل بداخله ، وتلح عليه ، وقد وجد نفسه أسير الإندفاع ـ بلا إرادة ـ نحو المجهول المظلم . لقد فقد حتي الإستقرار الظاهري الهش الذي كان سائداً قبيل الثورة ، ويعطيه قدر من الأمان المفقود . تُري ما الذي ترسب في ذهن ووعي هذا المواطن تجاه الثورة والثوار ؟ . لا ريب أنه قد ترسب في وعيه مشاعر سلبية تجاههما نتيجة لذلك . فإذا أضفنا إلي ذلك حالة الغش والتواطؤ التي مارسها الثوار والساسة علي الشعب فيما يتعلق بالإستفتاء علي الدستور، وحالة الإستقطاب الحادة التي صاحبت ذلك ، وما تلاها من انتخابات مجلس الشعب ، ورئاسة الجمهورية ، والتدليس الذي مورس بشأن الدستور الإخواني ، وحالات الكذب الفج الممنهج الذي لا يستثني منه أحداً ، وانتهاءًا بسقوط الأقنعة عن جماعات ما عرف اصطلاحاً بجماعات الإسلام السياسي ، وعلي رأسها جماعة الإخوان ، وانتهاء الخصومة التاريخية بينها ، وانكشاف كونها خصومة سياسية تكتيكية تتعلق بالشكل دون الجوهر، وظهرت تحالفاتهم التي دللت علي الكذب والتدليس والخداع ، ليس لصالح الدين كما زعموا لأتباعهم ، وإنما لمصالحم الذاتية ، لأن الغايات النبيلة لا يُتوسل إليها بوسائل خبيثة بحال . فلما دان لهم حكم مصر ، وخرجوا من أنفاق وكهوف ظلام العمل السري ، التي كانوا يستخفون بها من باب التقية ، وتخلوا عن حالة المظلومية التي اصطنعوها ليتدثروا بها ، مستجلبين بها التعاطف الشعبي مع قضيتهم ، وجدوا أنفسهم تحت الأضواء الكاشفة ، فانكشفت سوءاتهم النفسية والفكرية والأخلاقية ، حين اعتبروا مصر غنيمة ، اقتسموها فيما بينهم كمنح لا تعطي إلا لأصحاب المحن تعويضاً لهم . أين ذهب الدين هنا ؟ . لقد ذهب مع الذين ذهبوا . فكيف يكون الأمر والحال كذلك تحت سمع وبصر المواطن العادي ؟ . وما هو المطلوب منه إزاء هذا الموقف ؟ . وما موقفه من جماعة عاصري الليمون ، الذين خدعوه بموقفهم المريب ، الذي ليس له تفسير ولا مبرر، حين أتاحوا لمرسي إعتلاء عرش مصر ؟ . هل بقت لهم لديه من مصداقية ؟ . ثم ما هو المطلوب من المواطن العادي عندما يتكشف له اتصال مجموعة النشطاء بجهات أجنبية ، وتلقيهم تدريبات علي ما جرت وقائعه علي الأراضي المصرية ؟ . هل يشغله إن كانت هذه التسريبات قانونية من عدمه ؟ . أم يشغله صحة هذه الوقائع ؟ . أما البحث في مدي قانونية التسريبات من عدمه فله جهاته المسئولة عنه ، أما الوقائع فصحيحة ، وليس لها في عرفه ما يبررها ، أو يشفع لأصحابها ، فليس هناك شفاعة في خيانة . أيريد ثوار يناير ، ونشطاء السبوبة ، ومن دعمهم ، وساندهم ، وأيدهم ، ألا تترك كل هذه الأمور آثارها السلبية ونتوءاتها النفسية الشائهة علي نفسية وعقلية ووعي وإدراك المواطن العادي ؟ . أعتقد أنها لو لم تترك أثراً لما كان لثورة يونية وجود . والمطلوب هو تصحيح هذه الصورة الذهنية الشائهة ، بتصفية كافة الشوائب العالقة بها ، وتنظيف أحشاءها من داء الجدل الصاخب ، والصراخ الهيستيري ، والتشابكات اللفظية المتدنية ، حول الثورة ، وما تلاها من أحداث ، دون مزايدة علي المواطن العادي ، أو مصادرة علي إدراكه ووعيه ، بتنظير لا لزوم له ، ولا طائل من وراءه .
حــســــن زايــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق