الأربعاء، 11 مايو 2016

الـوجـه الآخـر للـثـورة اللـيـبـيـة بـقـلـم / حــســـن زايــــــــد

الـوجـه الآخـر للـثـورة اللـيـبـيـة
بـقـلـم / حــســـن زايــــــــد
إن كان للقمر وجه مضيء ، ينير الدنيا ، ويخطف الألباب ، ويلهم الشعراء ، فإن له وجه آخر ، صخري معتم ، خشن ، جارح ، ممتليء ببثور الفوهات البركانية . كذلك كانت ثورات الربيع العربي ، إلا أننا لا نري الغابة لقربنا الشديد من أشجارها . ووجدنا أنفسنا كالسيارة التي تصطدم بالحائط ، وهي تحاول الإسراع أكثر فأكثر ، أو كسيارة بدون كوابح ، يقودها أعمي في منحدر . هكذا كانت ثورات الربيع العربي . فهل لنا من إطلالة علي الجانب الصخري المعتم الخشن مما أطلق عليه الثورة الليبية ؟ . كانت ساعة الصفر التي خيمت بعقاربها علي الأوضاع ، تقترب من نقطة البداية يوم 17 من شباط / فبراير 2011 م ، حيث اندلعت المظاهرات في وقت متزامن في عدة مناطق في شرق وجنوب ليبيا ، يقودها الإسلاميون ، بترتيب وتنسيق مع السفارة القطرية . وفي خلال أيام قليلة تحولت المطالب ، من مجرد الإفراج عن بعض السياسيين ، إلي المطالبة بتنحي القذافي . وكان السيناريو يقوم علي مرحلتين هما : المرحلة الأولي ـ الإسراع بإنشاء منطقة نفوذ خارج سيطرة طرابلس ، وهو ماتم في بنغازي ، وتشكيل مجلس انتقالي فيها ، بقيادة / عبد الجليل مصطفي ـ وزير العدل في حكومة القذافي . المرحلة الثانية ـ الإسراع في بدء التدخل العسكري الغربي . ولتنفيذ المرحلة الثانية ، كان لابد من الإتصال بالمجلس الإنتقالي . وقد قام بهذه المهمة محمود جبريل ، رجل المخابرات في نظام القذافي ، الذي كان يمثل حلقة الإتصال بالكيان الصهيوني ، وأصبح نائباً لرئيس المجلس الإنتقالي فيما بعد ، فقد قام باصطحاب الصحفي برنار هنري ليفي ، وهو يهودي فرنسي ، ولد بالجزائر ، ويمثل أحد الإلكترونات الحرة للكيان الصهيوني ، لمقابلة عبد الجليل مصطفي المتحدث الرسمي باسم المجلس ، وزعيم الثوار فيما بعد . وقدم ليفي دعوة لعبد الجليل لزيارة فرنسا ، والوصول إلي قصر الإليزيه . واتصل ليفي عبر الثريا بساركوزي مستفسراً عن مدي استعداده لمقابلة مسعوديي ليبيا " نسبة إلي الزعيم الأفغاني أحمد شاه مسعود ـ أحد قادة الفصائل الأفغانية " . بعد ثلاثة أيام كان ليفي في قصر الإليزيه يتفق علي ضربة مركزة للمطارات الليبية ، ترافقها عملية تشويش علي اتصالات القذافي . وبعد ثلاثة أيام أُخر كان برفقته ثلاثة من أعضاء المجلس الإنتقالي أخبرهم ساركوزي باعترافه بالمجلس كممثل شرعي لليبيا . وقبل أن يغادر الوفد قصر الإليزيه ، كانت إذاعة أوروبا تعلن عن رغبة ساركوزي في ضربات جوية استباقية لقوات القذافي . وكانت قطر هي الدولة الثانية دولياً ، والأولي عربياً التي تعلن اعترافها بالمجلس الإنتقالي ، في ظل دور السمسار الدولي لشرعنة استخدام الناتو لقوته العسكرية للتدخل في الشأن العربي بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان . وقد لعبت قناة الجزيرة ذات الدور القذر الذي لعبته في تونس ومصر من قبل . قبلها كان مجلس الأمن قد فرض عقوبات علي ليبيا تشمل حظر بيع السلاح ، وتجميد الأصول ، ومنع سفر أركان النظام . وقامت الأمم المتحدة بطرد ليبيا من مجلس حقوق الإنسان . وقام طيران الناتو بمراقبة الأجواء الليبية . وقد شهدت ليبيا خلال شهر فبراير استقالات من الحكومة الليبية ، والسفراء بالخارج . في 17 آذار / مارس 2011م حدث تنسيق مسبق بين ساركوزي ، وحمد بن جاسم ـ وزير الخارجية القطري ـ علي صدور بيان من جامعة الدول العربية يدعم موقفه في اجتماع الدول الأوربية في بروكسل لبحث الموضوع الليبي ، لإقناع الدول الأوربية المعترضة علي التدخل . وقد كان هناك اعتراض من المانيا علي اعتبار أن أعضاء المجلس الإنتقالي هم من أتباع القذافي السابقين ، في حين أن اعتراضها كان لسبب آخر هو عدم رغبتها في لعب فرنسا دور عسكري ، في منطقة غنية بالنفط والغاز ، لألمانيا فيها استثمارات ضخمة . وكانت إيطاليا معترضة باعتبارها المستعمر القديم لليبيا ، وتخشي خسارة أسواقها فيها . أما الولايات المتحدة فقد ارتأت عدم وجود مصالح حيوية لها في ليبيا وبالفعل صدر في هذا اليوم بالتحديد بيان قاس من الجامعة يدين نظام القذافي ، كان عوناً لساركوزي في اجتماع بروكسل . فرغم إفصاح الجانب الألماني عن إمكانية فشل الضربة الجوية ، وتساؤله المثبط عن إمكانية التدخل البري ، إلا أن الوضع تغير بعد حصول ساركوزي علي دعم : منظمة المؤتمر الإسلامي ، ومجلس التعاون الخليجي ، والجامعة العربية . ولذا اتفق المجتمعون في بروكسل علي اعتبار المجلس الإنتقالي جهة سياسية شرعية ، وكان هدف فرصة من الحصول علي هذا الإعتراف هو أن تؤخذ تصريحات المجلس علي محمل الجد . وتقدمت فرنسا بمشروع قرار إلي مجلس الأمن ، وتم التصديق عليه تحت رقم 1973 ـ وتلك من المفارقات العجيبة ـ وهو يقضي بإقامة حظر جوي في الأجواء الليبية ، والسماح باستخدام كل الوسائل المتاحة لحماية المدنيين ، وتلك إشارة لها دلالتها علي إمكانية استخدام الوسائل العسكرية . وقد صوتت علي القرار عشر دول ، وامتنعت خمس دول عن التصويت وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل والمانيا . وقد تمكن الفرنسيون من إقناع روسيا والصين ـ باعتبار أن لهما حق الفيتو من بين الدول الخمس ـ أن الهدف من القرار هو حماية المدنيين دون إسقاط النظام ، مما دفعهما إلي الإكتفاء بالإمتناع عن التصويت . وقد أغضب هذا الموقف روسيا والصين بعد اكتشاف تعرضهما للخديعة والغدرعلي هذا النحو الصبياني غير المحترم . وهذا مما ساعد علي إفشال تمرير قرار ضد سوريا في مجلس الأمن . وقد كان ساركوزي قد اتخذ قرار الحرب لإسقاط القذافي ، ولم يكن يلزمه سوي الحصول علي موافقة شكلية من مجموعة أصدقاء ليبيا ، بعد حصوله علي قرار مجلس الأمن . وفي صبيحة يوم 19 آذار مارس ، وقبل إجتماع المجموعة ، كان ساركوزي وبرفقته وزير خارجيته ، ومستشاره السياسي ، ورئيس أركان جيشه ، ورئيس أركان القصر الجمهوري ، في اجتماع مع رئيس الوزراء البريطاني كاميرون ومستشاره العسكري ، وكذا وزيرة الخارجية الأمريكية وضابط كبير من قيادة الأركان الأمريكية لبحث التدخل عسكرياً . ورغم تحفظات الضابط الأمريكي ، والتي أيده فيها الضابط البريطاني ، إلا أن ساركوزي أبدي استعداده لتحمل المخاطر ، وأفاد بأن طائراته قد أقلعت إلي ليبيا ، إلا أنه لن يفعل شيئاً دون رضاهم بموافقة جماعية . وفي اجتماع مجموعة الأصدقاء تحدث ساركوزي عن المذبحة الوحشية المنتظرة في بنغازي ، وبعد ترديد عبارات القذافي ونجله ، أعطي الجميع موافقته . وفي ظهر نفس اليوم كانت الطائرات الفرنسية تدمر رتل دبابات القذافي . وانطلقت عملية فجر الأوديسة العسكرية ضد القذافي ، وتوالت ضربات السقوط ، حتي وصلنا إلي مشهد طائرات الرافال وهي تطارد موكب القذافي أثناء فراره من مدينة سرت ، قبل أن يُقتل علي أيدي من تسموا بالثوار ، الذين تلقوا أوامر بتصفيته بناءًا علي قرار فرنسي / أمريكي . وهكذا أسدل الستار علي نظام القذافي بتواطؤ من أنظمة عربية ، وزعماء غربيون ، بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، بينما كانوا يستقبلونه كزعيم حتي الأمس القريب . رحل القذافي ، ولا زالت الثورة الليبية مستمرة ، ولكن علي اقتسام الغنيمة ، وتوزيع التورتة
الدموية .
حــســـــن زايــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق