الأحد، 8 مايو 2016

لـمـاذا تـفـجــير ســـوريـة ؟ ! بقلم الكاتب حسن زايد




لـمـاذا تـفـجــير ســـوريـة ؟ !

بـقــلم / حــســـن زايــــــــد

قبل أن نفقد الذاكرة ، ونفقد معها الوعي ، لابد لنا من تساؤل أظنه مشروعاً في غمرة الأحداث الراهنة ، وهو : لماذا تفجيرسورية ؟ . وهل ما يحدث في ربوعها ، ثورة علي النظام حقاً ، أم هو تفجير من الداخل تفجيراً ذاتياً ؟ . وبعيداً عن نظرية المؤامرة ـ التي أصبح الحديث عنها نقيصة في كل من يحاول الإقتراب من حقائق الأشياء ـ لابد من الرجوع قليلاً إلي الخلف ، إلي التاريخ القريب . وننظر فيما يحدث اليوم بمنظار ما حدث بالأمس ، ثم ننظر إن كان الأمر ينطوي علي مؤامرة من عدمه . دعك من قول القائل بأن ما يحدث في مصر وسورية ما هو إلا تأديب وتهذيب لهما علي حرب اكتوبر، فربما بَدَا هذا التصور بعيداً ، وإن كان غير مستبعد ، ويدخل في إطار التفكير التآمري المرفوض من بعضنا . ودعك من ارتباط ذلك باتفاقية السلام بين مصر واسرائيل ، والتي تسببت في تكتل العرب ـ علي ما بينهم من انقسام وتفتت وتشرذم ـ فيما أطلق عليه جبهة الصمود والتصدي ، ولم يكن الصمود والتصدي لمصر ، وإنما للسياسة الأمريكية في المنطقة ، والتي سعت لفرض السلام علي المنطقة لصالح ربيبتها اسرائيل . وفي أواخر ثمانينيات القرن العشرين ، كانت الحرب الباردة بين القوتين العظميين قد وضعت أوزارها ، بانهيار الإتحاد السوفيتي من الداخل . ووضعت الحرب العراقية / الإيرانية ـ بعد أن أنهكت العراق والدول العربية المساعدة إنهاكاً شديداً ، في حرب عبثية بين المسلمين .ـ ودخلت سوريه علي قائمة الإرهاب باتهامها بالتورط في قضية لوكيربي 1988 م . وبذا قد تهيأ مسرح الأحداث لدخول اللاعب الأمريكي منفرداً، وهو مطمئن ألا منافس أو منازع له في وجوده ، كي يكون وصياً علي المنطقة . وقد أعطت أمريكا لصدام الضوء الأخضر لغزو الكويت ، فقام باجتياحها في أغسطس 1990 م . ومع اجتياح الكويت جري اجتياح امور كثيرة ، علي المستوي العربي / العربي ، وعلي المستوي العربي / الدولي . وسارعت أمريكا بتشكيل ما أطلق عليه التحالف الدولي لتحرير الكويت . واندلعت حرب الخليج الثانية 1991م ، علي اعتبار أن الحرب العراقية / الإيرانية هي حرب الخليج الأولي . وقد أفضت هذه الحرب إلي شروخ عميقة في العلاقات العربية / العربية ، إلي حد وأد الحد الأدني من التضامن العربي . وكانت تلك هي الفرصة التاريخية ، التي اهتبلها الأمريكان ، لفرض الوصاية الكاملة علي المنطقة العربية دون منازع . وقد قسمت هذه الحرب العرب إلي دول موالية مهادنة ، ودول رافضة ممانعة . وكانت سوريا من دول الرفض والممانعة . وبالقطع كانت العراق ـ بحربها وحصارها ـ قد خرجت من سجلات الحسابات العربية ، ومن التاريخ العربي كذلك . وكانت لأمريكا مشاريعها في المنطقة ، يأتي علي رأسها مشروع سلام بمواصفات أمريكية ، بين العرب واسرائيل ، والسيطرة علي منابع البترول مباشرة ، بإيجاد قواعد عسكرية بجوارها ، لعدم السماح بقطع البترول مرة أخري أمريكا أو الغرب ، علي غرار ما حدث إبان حرب اكتوبر . وقد بدأ مشروع السلام بتجميع الأطراف المتنازعة ، لمحادثات مباشرة في مؤتمر دولي . وقد كانت سورية هي الطرف الأصعب في الإقناع ، لعدم الثقة ـ وحالة التوتر ـ بينها وبين أمريكا ، ولإدراج الأخيرة للأولي علي قائمة الدول الداعمة للإرهاب . ولذا بذل المفاوض الأمريكي ، جهوداً استثنائية مرهقة ، لإقناع سورية بالمشاركة . أبدت سورية موافقة مشروطة ، بأن يكون المؤتمر دولياً ، تحت رعاية أمريكية / سوفيتية ، ويضمنان معاً كل نتائجه ، ويبقي المؤتمر في حالة انعقاد دائم ، وأن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة . وإقناع أمريكا لسورية ، بالدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل ، يعني ببساطة تغير موازين القوي في المنطقة ، وفي العالم ، لصالح أمريكا ، وإدراك القيادة السورية ـ والقيادات العربية ـ لهذه الحقيقة . فكان مؤتمر مدريد اكتوبر 1991م ، الذي فشل في التوصل إلي اتفاقية شاملة للصلح بين سورية واسرائيل . وظلت سورية من الدول الراعية للإرهاب ، رغم أن التحقيقات قد أثبتت براءتها في قضية لوكيربي . ومن هنا ظلت العلاقات بين البلدين ـ أمريكا وسورية ـ متوترة ومشدودة ، مع حرص من الإدارة الأمريكية علي عدم إيصال العلاقة إلي نقطة المواجهة أو اللاعودة . وترجع حالة التوتر في العلاقة إلي : الإنحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل ، واستمرار أمريكا في اتهام سورية بدعم ورعاية الإرهاب ، بالإضافة إلي فشل مؤتمر مدريد . وقد شن الأسد هجوماً ضارياً علي أمريكا في خطابه بمجلس الشعب في مارس 1992 م ، متهما إياها بالسعي لمد اسرائيل بالأموال والتكنولوجيا ، وحرمان العرب من السلاح لإجبارهم علي الإستسلام . وقد أدانت سورية فرض منطقة الحظر الجوي علي جنوب العراق . وقد تكرر الفشل الأمريكي بتقريب وجهات النظرـ أو فرض السلام ـ بين سورية واسرائيل عدة مرات . ثم بدأت واشنطن في ممارسة الضغوط علي سورية ، باشتراط تحقيق السلام ؛ لرفع اسمها من قائمة رعاية ودعم الإرهاب ، وما يترتب علي ذلك من الحرمان من المساعدات . والضغط علي الأرجنتين ؛ لإفشال بناء مفاعل ذري للأبحاث في سورية . وممارسة الضغط علي روسيا ، فيما يتعلق بمد سورية بأسلحة متطورة . وإثارة مسألة الوجود السوري في لبنان . وبعد أن تأكد لأمريكا فشل سياسة الإحتواء ، إلتجأت إلي سياسة الردع . وقد ساعد أمريكا في التحول إلي سياسة الردع ، أحداث 11 سبتمبر 2001 م . ورغم إدانة سورية للحادث ، وتقديمها معلومات استخباراتية لأمريكا ، إلا أن كل ذلك لم يحل ـ ولم يشفع ـ دون وضع سورية ضمن الدول المستهدفة ، باعتبارها مدرجة علي قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب . ومتهمة بإيواء وتسليح جماعات وأحزاب وفصائل مسلحة ، وموضوعة علي قوائم الإرهاب كحماس وحزب الله . وأصبح العمل العسكري ضد سورية غير مستبعد . ومع انتهاء الغزو الأمريكي لأفغانستان ، وبدء التجهيز لغزو العراق ، أعلنت سوريا رفضها العلني للغزو ، وللمخططات الأمريكية للمنطقة ، مما حدا بالإدارة الأمريكية إلي تهديد سورية بفرض عقوبات عليها لإيوائها عناصرإرهابية ، ووجودها العسكري في لبنان ، وتعاونها مع العراق ، وسعيها لتطوير أسلحة دمار شامل . وفي المقابل وقفت سوريا في سبيل استصدار قرار من مجلس الأمن ـ باعتبارها عضواً غير دائم ـ يجيز استخدام القوة ضد العراق . وبعد احتلال العراق ، تحولت المواجهة إلي عداء سافر، ومواجهة مفتوحة ، علي كل الإحتمالات . وما فتئت الإدارة الأمريكية تكيل الإتهامات ، إلي النظام السوري ، مصحوبة بالتهديدات ، بل وبفرض العقوبات . كل ما تقدم وقائع تاريخية ثابتة ، فهل يمكن معها القول بانعدام فكرة المؤامرة ؟ . ربما يكون ما يحدث في سورية ثورة ، ولكنها ثورة ليست بعيدة عن هذه الأحداث ، وتلك الأصابع ، وهاتيك الأيادي التي تمول وتسلح وتدرب وترسل وتعاون لوجستياً ، حتي يتم تفجير سوريا من الداخل ، في إطار ذلك الربيع العربي الدامي ، الذي بذرت فيه الأشلاء والجماجم ، لتنبت لنا زهور الدم والدمار والخرائب ، ولا يبقي لنا من أوطاننا سوي تلك الخريطة الورقية القديمة ، التي يتقدمها الفعل الناسخ " كان " . كانت لنا أوطان . فهل آن الأوان كي نستفيق من الغيبوبة حكاماً ومحكومين ؟ !
حــســــــن زايــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق