الجمعة، 18 أغسطس 2017

زمـن الـضـمـائـر الـغـائـبـة بقلم الكاتب / حسن زايد


زمـن الـضـمـائـر الـغـائـبـة
الضمير لغة : ما يُضمر في النفس ، ويصعب الوقوف عليه . وهو : " استعدادٌ نفسي لإِدراك الخبيث والطيب من الأعمال والأَقوال والأَفكار ، والتفرقة بينها ، واستحسان الحسن واستقباح القبيح منها " . والضمير العالمي أو الإنساني هو : " وجود مشاعر في نفوس البشريّة جمعاء تهتدي إلى مبادئ الأخلاق بعفويّة وتلقائيّة ، وتقف إلى جانب المظلومين أو المستضعفين " . تأنيب الضَّمير / عذاب الضَّمير / وخز الضَّمير : ما يحسّه الفردُ من عذاب أو ندم أو اتّهام لذاته بارتكاب غلطة أو خطأ نتيجة سلوك قام به " معجم المعاني " .
ومن التعريف السابق، نخلص إلي القول : بأن الضمير هو قدرة الإنسان علي التمييز بين الصواب والخطأ ، أو بين الحق والباطل ، فيما يأتي أو يذر من الأعمال والأقوال والأفعال . وهو الذي يؤدي إلي الشعور بالندم والألم ، عندما يقترف الإنسان فعلاً يتنافي مع قيمه الأخلاقية . وإلي الشعور بالإستحسان والنزاهة والإستقامة ، عندما يأتي الإنسان فعلاً يتفق مع قيمه الأخلاقية .
والضمير اصطلاحاً ، كما يعرفه علماء العصر الحديث ، في مجالي علم النفس والأعصاب ، وظيفة من وظائف الدماغ البشري ، تسهل الإتيان بالسلوك الموجه . والضمير وصف أو كلمة تجسد كتلة من المشاعر ، والأحاسيس ، والمباديء ، والقيم التي تحكم الإنسان ، وتأسره ؛ ليكون سلوكه محترماً مع الآخرين . وباختصار هو ميزان الحس والوعي لدي الإنسان يميز به بين الصح والخطأ ، ويضبط النفس علي الإتيان بالصحيح ، والإبتعاد عن الخطأ . " الموسوعة الحرة بتصرف " .
وعند الفلاسفة الضمير هو مركب من الخبرات العاطفية التي تقوم علي أساس فهم الإنسان للمسئولية الأخلاقية لسلوكه في المجتمع . وهو ليس صفة ولادية ، وإنما صفة يحددها وضع الإنسان في المجتمع . وهو قوة دافعة للتهذيب الأخلاقي .
وعند علماء النفس يرتبط الضمير بالأنا . وهذا يعني أنه نظام تقييمي ، ذاتي ، وخارجي . حيث يقوم الإنسان بتقييم تصرفاته ذاتياً من ناحية ، ومن المعلومات المرتدة ، حيث تقييم الغير لهذه التصرفات ، من ناحية أخري . وقد يتعرض الضمير لتشوهات ، قد تأخذ صورة التورم ، فيميل إلي المبالغة في تقدير الأخطاء ، وزيادة الشعور بالذنب . وقد يميل إلي الخمول والنوم والبلادة .
وعند علماء الدين الإسلامي جري استنباط الضمير من حديث حسن أو حسن لغيره ـ علي اختلاف ـ في تعريفه للبر والإثم ، حيث البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب . والإثم ما حاك في الصدر ، وخشي الإنسان أن يطلع عليه الناس .
وفي المسيحية الضمير هو صوت الله في الإنسان .
وهنا نأتي إلي التساؤل المحوري للمقال : " هل يختفي الضمير بهذا المعني ؟ ! " .
طبعاً من الممكن أن يختفي الضمير بكل معانيه . فإذا فقد الإنسان القدرة علي التمييز بين الصواب والخطأ ، أو الحق والعدل ، واختفاء المشاعر الإنسانية التي يهتدي بها إلي مباديء الأخلاق ، اختفي لديه الضمير .
وإذا حدث تعطل بإحدي الوظائف الدماغية البشرية التي تيسر الإتيان بالسلوك الموجه ، وهي ميزان الوعي والحس البشري ، الذي يضبط النفس ، علي التمييز بين الخطأ والصواب ، يكون قد اختفي الضمير .
وإذا حدث اختلال في مركب الخبرات العاطفية ، يكون قد إختفي الضمير .
ونحن الآن في زمن امتلأت فيه القلوب بالظلمات ، وأصبح التكبر والغرور والخديعة من سمات هذا العصر .
زمن ذهب فيه العطف علي الصغير ، والرحمة بالكبير أدراج الرياح .
زمن التجارة بالجنس ، والتجارة بالأعضاء البشرية ، والغاية تبرر الوسيلة .
زمن نزعت فيه منظومة القيم من النفوس ، فلم يعد هناك مرجعية تتخذ كميزان للحكم علي الأمور .
زمن انتشرت فيه الحروب ، بقصد إثارة الفتن والنزاعات بين الأمم والشعوب ، بقصد تحقيق الربح من تجارة السلاح .
أصبحت قيم المنافسة علي تحقيق الأرباح ، والتجارة في كل شيء ، وأي شيء . وقيم السوق الخاضعة للعرض والطلب . وتحول كل شيء ـ وأي شيء ـ إلي سلعة قابلة للبيع والشراء ، بما في ذلك القيم والمباديء والأخلاق والدين .
نحن نعيش زمن الضمائر الغائبة .
حــســــــن زايــــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق