الاثنين، 4 سبتمبر 2017

أخــلاقـيـات الـعــمــل الـســـيـاســـي بقلم / حسن زايد


أخــلاقـيـات الـعــمــل الـســـيـاســـي
دأب معظم الكتاب والمفكرين ، علي إقصاء الدين عن العمل السياسي ، علي اعتبارأن الدين يدعو إلي الأخلاق ، وأن العمل السياسي منزوع الأخلاق . وينبغي أن نرتفع بالدين عن معتركات الحياة السياسية ، حتي لا يتلوث الدين بقاذورات السياسة . وعندما نتدبر هذه الدعوة ، ونقلبها بين أيدينا ، يمنة ويسري ، منعمين النظر فيها ، نجد أنها دعوة لها وجاهتها الظاهرية ، ولها منطقها المقبول كانطباع أولي . وحين نعيد إنعام النظر فيها ، سنجد أنها دعوة حق ، يراد بها باطل ، فالشكل يشي بأنها دفاعاً عن الدين ، والحقيقة أنها إقصاء له عن جانب مهم من جوانب الحياة .
وهذا التوجه ـ في إقصاء الدين ـ قد جاء نتيجة قراءات مفكرينا للمفكرين الغربيين ، عما قبل عصر النهضة الأوربية ، وما كان سائداً فيها من تحالفات غير مقدسة بين رجال الدين الكنسي وأنظمة الحكم السائدة ، التي كانت تحكم بمقتضي الحق الإلهي . وقد جاء عصر النهضة ليرسم الملامح السياسية للعصور التالية بتطورتها ، وعلي رأسها إقصاء الدين عن الحياة العامة ، وإقصاؤه عن أنظمة الحكم ، وسيادة فكرة الدولة المدنية العلمانية ، في مواجهة الدولة الثيوقراطية التي كانت سائدة فيما قبل عصر النهضة .
ومع إقصاء الدين ، جاء إقصاء مكارم الأخلاق ، كنتيجة طبيعية . وبدلاً من تضييق الهوة الفاصلة ، ومحاولة إعادة اللحمة بين مكارم الأخلاق والإنسان ، وجدنا أنفسنا نعمق هذه الهوة ، ونعمل علي توسيعها ، وزيادة الشقة فيما بين أطرافها . وهذا يعني السقوط في هوة الإنعدام الأخلاقي . فإذا كانت الأخلاق هي التحلي بالفضائل ، وتجنب الرذائل ، فقد تخلينا عن الفضائل ، وسقطنا في جب الرذائل . وأدي اللعب ـ وفقاً لذلك ـ في الجينات التعليمية والثقافية للبشرية ، إلي الإرتكاس الأخلاقي للبشر، لقاء الإرتقاء المادي ، وليس الحضاري لهم . بل أصبحت البشرية تتفنن في خلق الرذائل المستحدثة ، وتلميع الرذائل القديمة ، وتسميتها بمسميات أخري ، تنأي بها عن المسميات المذمومة ، وتزيح الفضائل جانباً ، باعتبارها معوق رئيس ، في سبيل التقدم المنشود ، وبذا أضحي الإستثناء قاعدة ، والقاعدة استثناءًا ، بما يعني وجود خلل في المسيرة البشرية .
وإذا كانت الأخلاق هي مجموعة الصفات النفسية ، التي يتحلي بها الإنسان دون غيره من المخلوقات ، وتنعكس علي أعماله كقواعد منظمة للسلوك ، سواء في الفعل ، أو في رد الفعل ، فتصفها بالحسن أو بالقبح ، بحسب ما تسفر عنه من فضائل أو رذائل . وإذا كان مفهوم المعروف هو ما تعارف عليه الناس وأقره الشرع ، ومفهوم المنكر هو ما استنكره الناس ، واستنكره الشرع . إذن فلا تضارب ولا تناقض ولا تضاد ما بين ما أقره الناس ، وما أقره الشرع ، من مجموعة قيمية أخلاقية حاكمة ، ويصبح بذلك خلق التناقض والتعارض والتضاد بلا معني ، وأن ما قال به الفكر الغربي في هذا المجال ليس صحيحاً بالضرورة ، وإن صح لهم ، فلا يصح لنا بالضرورة ، وإن كان صحيحاً وفقاً لمعتقدهم الديني ، فهو ليس صحيحاً وفقاً لمعتقدنا الديني . وليس صحيحاً النقل عنهم في مجال العلوم الإنسانية نقل مسطرة ، والصحيح أن يكون نقل غربلة .
والشخصية السياسية هي الشخصية المهتمة بشئون المجتمع ، وطرائق عمله ، من خلال العمل السياسي . ولا يمكننا فهم الشخصية السياسية إلا من خلال فهم الأساس الذي تقوم عليه ، وهو السياسة . والسياسة هي طريقة التعامل مع المجتمع ، أي أنها هي الآليات والميكانيزمات التي يستخدمها السياسي في حل المشاكل بالطريقة الصحيحة ، بصناعة القرارات التي تكون في خدمة المجتمع .
وإذا كان الشخص السياسي ، هو ذاته الشخص العادي ، المحكوم بذات المكونات النفسية ، والخاضع لذات القواعد المنظمة للسلوك ، فلا معني للقول بفصلهما ، عن بعضهما البعض ، في المسألة الأخلاقية ، عند ممارسة العمل السياسي فعلاً أو رد فعل . أم أنه يتعين تفريغ الشخص السياسي من الفضائل ، وشحنه بالرذائل ، حتي يتسني له النأثير علي الجمهور، من خلال صنع القرار السياسي أو التأثير فيه ، أو التأثير علي الطريقة التي بمكن من خلالها حكم المجتمع ، من خلال فهم السلطة السياسية ، وديناميات هذا المجتمع ، أو من خلال شغل مناصب صنع القرار الحكومي فيه ، أوالمشاركة في صنعه ؟ .
من المؤكد أن من يقول بذلك ، قد فقد بالضرورة العديد من مقومات المفكر ، وأصبح مجرد تابع للفكر الغربي ، يردد ما لاكته ألسنتهم من أصوات ، لا تصلح بالضرورة للتنظير لمجتمعاتنا ، لأن ظروف المجتمعات تختلف ، وباختلافها يختلف ما يصلح لها وما لا يصلح .
وليس معني ما أدعو إليه من التزام الفضائل في العمل السياسي ، أنني أرتكس إلي الدعوة إلي الدولة الثيوقراطية ، ولو كانت متخذة شكلاً إسلامياً . وإنما أدعو فقط إلي التحلي بمكارم الأخلاق عند ممارسة العمل السياسي . إذ ليس هناك ما يمنع ذلك سوي الحاجز النفسي الذي خلفه الفكر الغربي ، وكان له انعكاساته ، عند مثقفينا ومفكرينا وكتابنا .
حـســــــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق