الأحد، 17 سبتمبر 2017

الأمـهــات الإرهــابـيـات بقلم الكاتب / حسن زايد




الأمـهــات الإرهــابـيـات
الأمر ليس في حاجة إلي تأمل خاص ، أومنهج من مناهج البحث ، حتي يتسني لنا اكتشاف المرأة . فالمرأة بالنسبة لي ولك وللكل هي الأم . الأم التي تحتمل حملنا ، ومخاض ولادتنا ، وإرضاعنا ، وتنظيف حاجاتنا دون تأفف أو قرف من فضلاتنا ، وتسوية فراشنا ، والهدهدة علينا ساهرة ، حتي تغفو عيوننا ، وتجري ناهضة إذا تناهت إلي أذنيها أصوات بكائنا . والأمر هنا لا يقتصر علي الحاجات البيولوجية ، وإنما تقدم هذه الحاجات مغموسة بالأحاسيس والمشاعر الطيبة اللينة . وتحوطنا بذراعيها كي نشعر بالأمان والإطمئنان من الخوف ودواعيه . بالإضافة إلي إرضاعنا منظومة القيم التي تعيها إرثاً ، أو تدركها تعليماً ، أو تتلمسها بيئة . ومن هنا قيل عنها بحق أنها مدرسة . ونظل هكذا في كنفها ، وحضانتها حتي نشب عن الطوق ، وتحملنا أقدامنا ، ولا يهنأ لها بال ، ولا يرتاح لها قلب ، حتي تسلمنا إلي زوجاتنا .
وقد ركبت الدعوة الإخوانية ـ بانحرافاتها ـ الإسلام ، باعتبارها دعوة الإسلام ، من يؤمن بها يؤمن بالإسلام الصحيح ، ومن يجحدها أو ينحرف عنها ، فإنما يجحد الإسلام أو ينحرف عنه . وقد وصلوا في استنتاجاتهم واستنباطاتهم إلي طريق آخر ، غير طريق الإسلام . فقد وصفوا المجتمع المسلم بالجاهلي ، وأن جاهليته أشد وأنكي من الجاهلية الأولي ، علي حد ما ذهب إليه سيد قطب ، وقد تبعه في ذلك آخرون ، علي رأسهم شقيقه محمد قطب الذي ألف كتاباً في جاهلية القرن العشرين .
فلو علمنا يقيناً ـ أن البناء التنظيمي لجماعة الإخوان ـ يضم قسماً للمرأة ، وقسماً للشباب والطلبة . وأن هذه الأقسام لا تعرف الإسلام العادي ، وإنما تعرف إسلام الإخوان ، ولا تتعلم الإسلام من أي طريق ، سوي طريق الإخوان ، ولا تقرأ إلا ما يجاز لها ، من كتب الإخوان ، أو ما يتم اختياره من كتب ، عن طريق الإخوان . ولا تتربي إلا علي طريقة الإخوان ، ولا تقيم أي علاقات من أي نوع إلا مع الإخوان أو عن طريق الإخوان . وقد بلغ الأمر حد وصف الإنتماء المطلق للجماعة ، بأن الإخواني بين يدي مرشده ، كالميت بين يدي مغسله . مجتمع منغلق علي نفسه ، فكراً ، وسلوكاً ، ومنهجاً ، وغاية . لو علمنا ذلك لأدركنا أن الإخوان مفرخة طبيعية لكافة عناصر الإرهاب بما فيها المرأة .
لقد وجدنا المرأة في الجماعة ، داعية لغيرها من الفتيات أو السيدات ؛ للإنضمام للجماعة ، وتبني فكرها ومنهجها . بما في ذلك فكر التطرف ، والمغالاة ، والإنحراف . وأصبح منهج الجماعة وفكرها وتوجهها وغايتها مهيمناً علي فكرهن . وهن قد توحدن مع ذلك باعتباره الإسلام الصحيح ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه . وأصبحت أوامر الجماعة ونواهيها ، هي أوامر ونواهي الإسلام ، إلي حد ذهاب أحدهم إلي القول : " اللهم توفني علي الإخوان " بدلاً من القول : " اللهم توفني علي الإسلام " .
وقد تطور نشاط المرأة في الجماعة من النشاط التربوي التعليمي في بداية نشوء الدعوة ، إلي المستوي الرعوي الإجتماعي ، إلي مستوي شبكات الإتصال ، الرأسية والأفقية ، داخل الهيكل التنظيمي للتنظيم ، التي تتولي نقل التعليمات والأوامر ، وتهريب الأسلحة والذخائر ، ونقل الأموال وتهريبها . وتقديم كافة الخدمات اللوجستية لأعضاء الجماعة . وقد كان التطور الحاصل هو تطور تراكمي ، لا تنفصم فيه الأدوار عن بعضها البعض ، وإنما تتراكم فوق بعضها البعض .
وقد كان إدراك القيمة الإستراتيجية للمرأة ، باعتبارها سلاحاً حربياً ، كفيلاً بتليين القيود الذكورية ، التي كانت تفرضها الجماعات الإرهابية ـ وفي القلب منها الجماعة الأم ـ علي تحركات النساء امتثالاً لقوله تعالي : " وقرن في بيوتكن " . الأمر الذي يدلنا علي أنها جماعات برجماتية محضة . وامتد هذا التليين إلي الهجرة والنفير من بلاد الكفر إلي بلاد الإسلام ، وإن كان من غير محرم ، تخلياً عن قاعدة عدم جواز السفر بغير محرم ، والمساواة بين المرأة والرجل في أسهم الغنائم . وتحولها من مجرد مجاهدة افتراضية ، إلي مقاتلة باستخدام الأحزمة الناسفة ، وانتحاريات علي دكة الإحتياط ، أو تحت الطلب ، كما حدث في القوقاز .
ولقد كان للإخوان قصب السبق ، في إدراك الأدوار ، التي يمكن أن تلعبها المرأة ، في السياسة والتجنيد والعنف . حتي وجدناها في الصفوف الأمامية ، في الميادين ، ضد ثورة 30 يونية في مصر .
وتعتبر زينب الغزالي ، زوجة الإخواني محمد سالم ، أول عنوان لهذا التحول ، فقد خططت لبناء خلايا سرية ، هي وشقيقيتي سيد قطب ، أمينة وحميدة قطب ، في تنظيم 1965م ، الذي نظر له ولتنظيمه سيد قطب . وقد كان منزلها ملتقي قادة وأمراء التنظيمات الجهادية .
وآخر حلقة في هذا المسلسل كانت لنساء الشاطر ، زوجته عزة توفيق ، وابنتيه فاطمة والزهراء ، مضافاً إليهن ، نجلاء محمود زوجة محمد مرسي ، وقد قمن بالتحريض علي المظاهرات ، والإضرابات ، والعصيان المدني ، وتحريك الأخوات في جامعة الأزهر ؛ لمحاصرة مكاتب عمداء الكليات ، وإغلاق البوابات الرئيسية بالسلاسل ، ومهاجمة رجال الشرطة ، والقفز من فوق الأسوار ، وإلقاء قذائف الفلفل الحارق علي وجه الطالبات . وقيادة المظاهرات النسائية في الشوارع .
وقد اسهمت هجرة العقول الإخوانية ، وبرفقتها كوادرها النسائية ، وخاصة في منطقة الخليج ، في تشكيل ذات القاعدة ، التي انعكست أبعادها ، علي المرأة ودورها ، أينما حلت أو ارتحلت . حتي وصلنا إلي نساء ، لا يقتصر دورهن ـ الجهادي في اعتقادهن ـ علي أنفسهن فحسب ، وإنما امتد هذا الدور إلي أبنائهن وبناتهن ، حيث يدفعون بهم ـ وهم أطفال لم يبلغوا سن الرشد بعد ـ إلي هذا المعترك شديد الوطأة ، والإلقاء بأنفسهم في أحضان قتل النفس ، وقتل الغير ، طمعاً في شهادة ، لا تتم إلا باختيار الله . ومكمن الخطر في وجود الأمهات الإرهابيات ، أنهن يلدن لنا مشاريع انتحاريين ، ينبني فكرهم علي تكفير المجتمع ، وتجهيله ، انصياعاً لفكر بشر ، يستوي أن يكون حسن البنا ، أو سيد قطب أو غيرهما ، أي أعضاء مفخخين في مجتمع المستقبل ، قابلين للإنفجار في أي لحظة . فهل إلي معالجة هذا الأمر من سبيل ؟ .
حــســـــــن زايــــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق