الأربعاء، 13 يناير 2016

ســقوط ما قـبـل الـســـقوط بقلم الكاتب حسن زايد





ســقوط ما قـبـل الـســـقوط
لن أضيف جديداً فيما يتعلق بما فعله السيد المستشار / هشام جنينة ، بشأن حجم الفساد في مصر ، فقد تناولته وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، بخلاف مواقع التواصل الإجتماعي علي نطاق واسع ، فقد أشبعه الجميع عرضاً ، وتحليلاً ، وتشريحاً ، ونقداً ، حتي بلغ المجتمع به حد التشبع . ومن ثم فلن أخوض مع الخائضين في تفصيلات الأرقام ، وما جري بها علي يد المستشار ومساعديه في إعداد التقرير محل النقاش والجدل ، ولن أتكلم علي ما ورد بتقرير لجنة تقصي الحقائق ، فسيكون محل دراسة ومناقشة وفحص وتحليل من مجلس النواب المصري ، ويمكن الرجوع إليه في مظانه . ولن أقول بأن السيد المستشار بما فعله قد تجاوز قواعد العمل الفني وأصوله وفقاً لقانون إنشاء الجهاز وتنظيم العمل به ، فرجالات القانون قد عرضوا لذلك ، وهم أهل الإختصاص فيه . ولن اتكلم عن التأثيرات المروعة لتصريحات المستشار علي الأمن القومي المصري ، من حيث الإضرار الجسيم بالإقتصاد القومي ، وكذا إذاعة بيانات من شأنها تهديد الأمن والسلم الإجتماعي ، بخلاف وضع الجهاز الإداري للدولة المصرية ، بما في ذلك جهات سيادية ، في قفص الإتهام دون مسوغ أو سند ، وتجاوز اختصاصاته المخولة له بموجب القانون ، بما يفقد الجهاز الإداري للدولة ، والجهات التابعة له ، بما في ذلك الجهات السيادية ، الثقة والإعتبار ، بما يؤثر ـ سلباً ـ علي أمن وسلامة المجتمع ، ومدي تماسك الدولة المصرية . وليس معني هذا أنني أُبريء الجهاز الإداري من الفساد ، فالفساد المالي والإداري فيه أظهر وأوضح من أن يُخفي أو يُنكر . وقد قال بذلك السيد رئيس الدولة بنفسه . وما قامت الثورة المصرية بشقيها إلا مكافحة لهذا الفساد ، ومطاردته ، ومحاصرته في الحدود الآمنة . ولكن هناك بون شاسع بين تناول الفساد باعتباره ظاهرة موجودة لا تستعصي علي المكافحة والعلاج ، وتناوله باعتباره سرطان قد استشري في كل الأوصال والمفاصل ، والأوردة والشرايين ، وأنه قد طال قلب الدولة ، ودماغها ، وإعطاء الإنطباع بأن الدولة مريضة مرضاً لا يرجي شفاؤه . وهذا ما فعله السيد / جنينة وصحبه .
ولتأصيل الموضوع ، لابد أن نتذكر، أن السيد المستشار كان من ضمن قضاة تيار الإستقلال في القضاء المصري ، والذين تبين أهم اللوبي الإخواني داخل مؤسسة القضاء فيما بعد . وأنه قد جري تعيينه في هذا المنصب بقرار من الرئيس الإخواني ، في إطار مخطط تصفية أجهزة الدولة ، بتلويث سمعتها ، وتأليب فئات الشعب عليها . وهذا ليس تجنياً علي السيد المستشار ، فاحتلال مفاصل الدولة من جانب الإخوان كان يجري علي قدم وساق ، وأنهم ما أتوا بأحد لوجه الله والوطن ، لأن ذلك كان مخططهم الذي عملوا عليه . وهنا يثور تساؤل عن سبب سكوت رئيس الدولة عليه ، والإجابة ببساطة :أن رئيس الجهازلا يجوز عزله إلا إذا ارتكب ما يستوجب ذلك قانوناً . ولابد من إكبار عدم الإقتراب من السيد المستشار حتي تاريخه ، وأن ما تم لا يعدو كونه تشكيل لجنة تقصي حقائق حول تصريحات سيادته . ثم إحالة تقرير اللجنة لمجلس النواب لاتخاذ ما يلزم بشأنه . ماذا يعني هذا ؟ . إنه يعني أننا نعيش في هذه القضية في ظل دولة القانون . وهنا تثور مجموعة من التساؤلات الهامشية التي قد تلقي بعض الضوء الذي قد يسهم في إضاءة الفكرة . أولها : لماذا قال السيد جنينة أن تقريره خاص بسنة 2015 م ، ثم لماذا تراجع عن ذلك ، وقال أنه عن ثلاث سنوات ؟ . ولماذا أسقط من حساباته تقرير الجهاز عن سنة حكم الإخوان ، وسكوته المطبق عنها ؟ . ثم لماذا سكت ثلاث سنوات مع أن تقارير الجهاز بطبيعتها سنوية ؟ . ولماذا أرجأ الرد علي تقرير لجنة تقصي الحقائق إلي ما بعد 25 يناير 2016 م ؟ . أعلة الإرجاء هي الخشية من تثوير الشعب المصري ضد النظام القائم بهذه المناسبة ، أم رغبة في الحفاظ علي مشاعر الشعب المصري من الصدمة ، أم حرصاً علي عدم تعكير صفو احتفالات الشعب المصري بعيد الثورة والشرطة معاً ؟ أم أن ذلك يتواكب مع إعلانات جماعة الإخوان عن ثورتهم المتوهمة في ذلك التاريخ ؟ . أسئلة ستظل معلقة بلا إجابة ، لأن إجابتها لا توجد سوي في راس سيادة المستشار، وربما لدي بعض قادة الإخوان .
وقد يتفزلك المتفزلكون ، بقولهم : أنه قد أذاع ما أذاع ، إعمالاً لأحكام الدستور، بحق الشعب في المعرفة . وهؤلاء نقول لهم : بأن الحق في المعرفة ، المصون دستورياً ، هو الحق في معرفة الحقائق ، وليست الأوهام ، أو التكهنات ، أو الإحتمالات ، أو الأكاذيب . وطالما أنه لم يجر تحقيق في الأمر ، ولم ينته التحقيق إلي قرار ، فليس هناك حقيقة يستوجب الأمر إعلانها ، وأن التحقيقات وما يسبقها لابد فيها من السرية . والسرية والكتمان ليسا ترفاً ، وإنما ضرورة حياة ؛ لأن الأمر يتعلق بأشخاص وكيانات أسرية أوجب الدستور والقانون الحفاظ علي حياتها الخاصة وصيانتها ، حتي ينتهي التحقيق إلي التبرئة أو الإدانة .
وهنا نقول بأن هنالك دائماً من لا يقرأ الدرس ، وإذا قرأه لا يفهمه ، وإذا فهمه لا يعتبر به ، ولا يتعظ . وأول الدروس التي أقصدها ها هنا ، درس المكر . إذ لابد أن يدرك الماكر، أن الله سبحانه وتعالي خير الماكرين ، " ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين " . وأنه سبحانه وتعالي قد قضي بأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " ، صدق الله الظيم ، وصدق رسوله الكريم .
حــســــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق