الأربعاء، 17 فبراير 2016

رؤوس في بحر الرمال بقلم الكاتب حسن زايد




رؤوس في بحر الرمال

بـقــلـم : حــســـن زايــــــد

يبدو أن الدعوة إلي تجديد الخطاب الديني ، حتي ولو كانت صادرة عن رئيس الجمهورية ، لا تجد في نفوس المخاطبين بها صدي . لأنها لو وجدت في دواخل النفوس صدي ، لتحركت علي إثره العقول والجوارح ، ولوجدنا للمسير في هذا الدرب من أثر . وهي دعوة واضحة المعالم ، إذ أن التجديد يكون من حيث الشكل ، ومن حيث المضمون . فالتجديد في الشكل يكون باستعمال اللغة المناسبة لهذا العصر ، وهي اللغة السهلة الميسرة ، التي لا تنال من المضمون ، وذلك دون تقعر، ودون تفلت . والتجديد في المضمون يكون من حيث مراعاة متطلبات العصر، وروح البيئة المحيطة . والتخلص من الزوائد الفقهية التي لم يعد لها وجود في الواقع من ناحية ، والإجتهادات الخاطئة لبعض الفقهاء من ناحية أخري، مع تصحيح المفاهيم الفقهية علي ضوء الإكتشافات العلمية المعاصرة . والتوسع في فقه المعاملات ـ الضحل ـ علي نحو يجاري فيضانات فقه العبادات ، إلي حد جعل العبادات في جانب ، والسلوك والمعاملة في جانب آخر . كل ذلك دون المساس بأصول الدين وقواعده . وذلك يتطلب بالضرورة تغييراً في المناهج الدراسية المقررة ، كما يتطلب أيضاً تغييراً في مناهج التأليف في العلوم الشرعية . ولا أظن أن وراء تلك الدعوة أكثر من ذلك ، والهدف منها نبيل وواضح . هذا عن التجديد في الجانب الذي بين أيدينا ، أما الجانب الخفي ، والوجه الآخر للتجديد ، فيتمثل في مواجهة ما في أيدي الغير من بضاعة يُروج لها ، ويعمل بها تحت راية الدين ، ويخرجها من بين طيات عباءته باعتبارها ديناً ، وهي ليست كذلك . وهي بضاعة لا يستهان بها ، بحكم ما لها من تأثير جارف علي مسالك الشباب ، لأنها في ظل الخطاب الديني الحالي غير المستساغ ، وغير المهضوم ، لا تجد سوي فراغاً طاغياً في النفوس ، إن لم يشغله الحق ، شغله الباطل . ومن هنا كانت حتمية المواجهة لهذا الجانب الخفي من الفكر الديني الموازي بالتفنيد والنقد والنقض طالما أن وجهة نظرنا فيه كذلك ، وإلا سلمنا بصحته ، ورضينا بما يفضي إليه من نتائج كارثية علي نحو ما نري ونشاهد . فإن كان ذلك كذلك فلا أقل من أن نمتلك شجاعة المواجهة بدلاً من دفن رؤوسنا في الرمال ، لأن الرمال التي نسبح فيها رمال متحركة لا تكتفي منا بدفن الرؤوس ، وإنما تبتلع الرؤوس والأجساد جميعاً . وشجاعة المواجهة لا تقتصر علي طرف دون آخر . فإن كانت الجماعات الإرهابية المتطرفة هي التي علي الحق ، وأن المجتمع هو من به الخلل والإنحراف والضلال، فلنواجه المجتمع بذلك ، وندعوه إن أراد الدين أن يتغير وفقاً لمتطلباته . وإن كانت هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة علي الباطل ، والمجتمع علي الحق المبين ، فلنواجه هذه الجماعات وما يصدرعنها من فعل أو قول أو عمل ، بالنقد والنقض والتفنيد ، بلا مواربة ولا وجل . ولتترصد المؤسسات العلمية المعتبرة لهذه الجماعات كل مرصد ، ولا تترك منها شاردة ولا واردة ، إلا أتت عليها ، وجعلتها كالرميم ، فلا تقوم لها داخل النفوس أو العقول قائمة ، ويبقي نبع الدين صافياً بلا كدر ولا عكارة ، ولا شوائب عالقة . وتجديد الخطاب الديني وخطاب المواجهة لابد أن يتلازما سوياً تلازم الوجود والعدم ، حتي تؤتي الثمار المرجوة ، والغاية المبتغاة . وهذا الأمر لم يعد ترفاً ، من قبيل النزهة العقلية أو الرياضة الذهنية . كما أنه لم يعد اختياراً ، يدعه المرء أو يأتيه ، وإنما أصبح حتمية ضرورة ، ولزومية وجود ، إذ دونه الطوفان . خاصة وأن الجانب الآخر الخفي أصبح له مراجع وكتب ومذكرات في العقيدة والفقه والتاريخ ، ولديه من يعتبرهم علماء وفقهاء ومشايخ وشهداء وأسري ، ولديهم خطط وتنظيمات وتنسيقات وتوجيهات علي أرض الواقع وفقاً لمرجعياتهم الإرهابية المتطرفة . وجمهورهم ممن لا يتفاعلون مع الخطاب الديني بصورته المتحفية الحالية ، ويعانون فراغاً عقائدياً وفكرياً ونفسياً ضاغطاً، وفي انتظار من يملأ هذا الفراغ . فهل لدينا الكوادر العلمية القادرة علي استيعاب التراث الفقهي عقلاً ـ وليس نقلاً ـ وهضمه وإعادة صياغته باجتهادات تلائم العصر ، وتقديمه زاداً روحياً وافياً كافياً للمجتمع المسلم المعاصر ، المتعطش أن يحيا عصره في دينه ، وأن يحيا دينه في عصره ، بلا خصومة ، ولا فصام ، ولا غربة ؟ . وهل لدينا الكوادر العلمية القادرة علي دراسة ما ينتجه الآخر ، وما أنتجه ليس بالقليل ، وتعكف علي غربلته ، وتفنيده ، وبيان بطلانه وضلاله وجهالته ، وإعلان ذلك في بيان للناس لا لبس فيه ولا غموض ولا التفاف . ولا يبقي لنا من الدين سوي المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك . هل إلي ذلك من سبيل ؟.
حــســــــن زايـــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق