الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

العجب بـقــلـم / حــســـــن زايـــــــــدا

العـجـب والصــيـام فـي رجـب
بـقــلـم / حــســـــن زايـــــــــد
هناك مثل مصري دارج عمن لا يعجبه العجب ، ولا يعجبه الصيام في رجب ، مع أن الطبيعي أن يعجب المرء العجب ، وكذا الصيام في رجب . إلا أن المثل يطلق ويقصد به من لا يعجبه شيء ، حتي ولو كان العجب ذاته . وهذا المثل ينطبق علي من يدعو للتظاهر يوم 25 يناير القادم ، ومن يؤيد هذه الدعوة ، ومن يلتزم الصمت في مواجهتها بزعم أن كل إنسان حر في أن يفعل ما يشاء ، كيفما شاء ، أينما شاء ، وقتما شاء . وبالقطع كل هؤلاء شركاء في الوطن ، ولهم ذات الحقوق . وبالقطع أنا لا أملك حق المصادرة عليهم . ولكن هل يحق لي أن أتقاسم معكم ذات الحقوق ، وأتشارك معكم فيها ، كما تشاركنا في الوطن ؟ . لو سألت أحد الداعين إلي التظاهر عن العلة وراء تلك الدعوة ؟ . لقال لك لأن شيئاً لم يتحقق بعد ثورتين ، والوضع كما هو ، بل وقد يكون أسوأ . وهنا أقول لهذا الفريق أن كلامه ليس صحيحاً ، لأن هناك أمور كثيرة قد تغيرت ، أو كما يقول الفلاسفة : أن المرء لا ينزل النهر مرتين . لأن الماء متجدد دائماً . هذه واحدة . الثانية : أن دعوتك تصح لو أن النظام السياسي الحالي قد تسلم قيادة البلد وهي تمثل سويسرا الشرق ، ثم صار حالها علي ما نحن عليه ، إلا أن الواقع يقول بأننا قمنا بثورتنا ؛ لأن النظام الأسبق ، قد وصل بالبلاد إلي مستوي يقارب مستويات الدول الفاشلة . وهذا الإرث الثقيل في حاجة إلي تغيير وإصلاح ، والتغيير والإصلاح في حاجة إلي وقت . والثورة ليست زر في جهاز كمبيوتر ، بمجرد الضغط عليه ، يتم التغيير من حال إلي حال ، في اللازمن ، لأن ما يتم في اللازمن لا مكان له إلا في العالم الإفتراضي ، الذي ينعدم بمجرد إغلاق الجهاز . الثالثة : أن الحكمة تقول بأنه ليس مع العين أين . فليس من المعقول ، ولا المقبول ، القول بأن شيئاً لم يتم علي أرض الواقع ؛ لأن هناك أشياء ملموسة ومرئية قد تمت بالفعل . ولا ينكرها إلا من بعينه رمد . ولم تستغرق الزمن المعتاد ، وإنما جري تكسير الأرقام القياسية في الإنجاز فيها ، وبالتكلفة المعتادة . ومن بين هذه المشروعات مشروعات الطرق ، ومشروع قناة السويس ، ومشروع الضبعة وغيرهم . وقد يرد عليك هذا القائل بأن هذه المشروعات لم تكن أولوية أولي ، وكان يمكن إرجاءها ، والإلتفات إلي الإحتياجات اليومية للمواطن . وهنا أقول له بأن ذلك يمثل إختلافاً في وجهات النظر ، وما يحتمل الإختلاف حول أولويته يتحمل فيه المسئول مسئولية إختياره ، لأن ما قد تراه ضرورياً ، قد يراه غيرك كذلك . وفي النهاية هو المسئول عن خياراته أمام الشعب . إلا أنني أكثر ميلاً للإصلاحات الإستراتيجية التي تؤثر علي مفاصل الدولة باعتبارها قاطرة التنمية المستدامة ، عملاً بالمثل الصيني : " علمني كيف أصطاد ، ولا تعطني سمكة " . خاصة أن الأعباء التي يتحملها المواطن كان يعانيها ابتداءًا ، وليس هناك أعباء إضافية عليها . وقد يقول قائل بأن هذه الإعمال لا لزوم لها من الأصل ، وأنها تزيد غير مقبول ، وأنا أظن أن القائل بذلك لا يستحق عناء الرد عليه . ثم تعالي نتشارك السؤال : وما نتيجة هذه التظاهرات التي نصبو إلي تحقيقها ؟ . وللإجابة علي هذا التساؤل : ذرنا نبحث في النتائج المترتبة عليها . قد يقول قائل بأننا نصبو إلي إشعار القيادة السياسية بمشاكلنا ، وإشعارها بالحرج . وهنا نقول بأن القيادة السياسية ليست في حاجة إلي ذلك ؛ لأن القيادة السياسية دارسة لمشاكل مصر في زعمي دراسة جيدة ، وأن القضية لديها هي قضية ترتيب الأولويات ، التي قد نتفق أو نختلف حولها . وقد يقول قائل : بأن القصد من وراء التظاهرات هو إسقاط النظام الحالي واستبداله بآخر ، سواء لعجزه عن مواجهة المشاكل ، وقد تم الرد علي ذلك . أو لأنه لا يرغب في أن يحكمه رجل عسكري . وهنا يكون الرد بأن الرئيس الحالي قد خلع رداءه العسكري ، وارتدي زياً مدنياً ، وترشح وجري انتخابه وفقاً لذلك ، ولا محل للمزايدة بذلك ، لأن الواقع يدحضه . ولا ريب أنه من العبث القول بأن التظاهر لمجرد الرغبة في ممارسة هذا الحق ، ولاختبار قدرة القيادة السياسة علي احترام حقوق الإنسان ، لأن الأمر هنا ينطوي علي سفسطة فارغة ، في وقت لا تحتمل فيه البلد هذا السخف . الطريف فيمن لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب أنهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين لو سددوا فقط الضرائب المقررة عليهم وفقاً للقانون ـ دون الإلتجاء إلي أساليب التهرب ووسائله التي اعتادوا عليها ـ لحلت نصف مشاكل مصر ، ومعظمهم يمتلك جرائد سيارة ، أو قنوات فضائية ، تعمل أدواتهم من خلالها علي تسويد الدنيا والحياة في وجه المواطن وعيونه . أو يكون ممن كان يتأمل أن يكون له مقعداً في السلطة ثمناً لثوريته ، إلا أنه لا يصلح للعمل التنفيذي علي الأرض ، فجري استبعاد اختياره . أو يكون ممن تصدر مقاعد السلطة إلا أنه ثبت عجزه وفشله ، فجري استبعاده . كل هؤلاء جلسوا الآن منظرين لأحوال البلد السياسية والإقتصادية لإثبات عجز وفشل القيادة الحالية في زعمهم . مثلهم في ذلك مثل أرسطو عندما سئل عن مدي لزوم ، فأجاب بقوله :" إذا لزم التفلسف فلابد أن نتفلسف ، وإذا لم يلزم التفلسف فلابد أن نتفلسف لكي نثبت عدم لزوم التفلسف " . ارحمونا يرحمكم الله .
حــســــــن زايــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق