الثلاثاء، 7 يونيو 2016

فضيحة التعليم في مصر بقلم الكاتب حسن زايد




فضيحة التعليم في مصر
بـقــلـم / حــســـن زايـــــــــد
لقد فوجيء المجتمع المصري أمس ، بفضيحة تسريب إمتحانات الثانوية العامة ، وكذا تسريب إجاباتها النموذجية . وهذا الأمر يمثل فضيحة متكاملة الأركان والأبعاد . فضيحة لأن الإمتحانات كوسيلة لقياس الفروق الفردية بين الطلاب ، أصبحت غير ذي بال ؛ لأنها عطلت عن أداء مهمتها ، من حيث قياس النجاح والرسوب ، ومن حيث دقة الدرجات في التعبير عن مستوي الطالب ، الذي يؤهله للدخول إلي كلية دون أخري ، ومن ثم هدم الفلسفة التي يقوم علي أساسها التوزيع علي الكليات ، من خلال مكاتب التنسيق ، وبالتالي عدم القدرة علي الإطمئنان علي المستوي التعليمي للطالب في المرحلة اللاحقة ، وهي المرحلة الجامعية . ومن حيث الجانب النفسي للطلاب وأولياء الأمور ، فقد فقدوا الثقة فيها من حيث دقتها في القياس ، وموضوعيتها في التقييم ، وبالتالي قدرتها علي تحقيق العدالة ، والمساواة ، وتكافؤ الفرص . وهي فضيحة من حيث كونها ليست أمراً جديداً مستحدثاً ، بل إنها واقعة متكررة لعدة سنوات متتالية ، ووقفت الدولة إزاءها عاجزة مكتوفة الأيدي ، رغم المحاولات المبذولة ؛ للخروج من هذا النفق الفضائحي المظلم . وقد ترتب علي ذلك تشديد إجراءات التفتيش علي الطلاب لمنع وسائل الغش ، حتي صار التفتيش عقوبة مغلظة ، توقع علي الطلاب ، قبيل دخولهم إلي لجان الإمتحان . ودون مراعاة للأبعاد النفسية والتربوية عظيمة الأثر، المترتبة علي هذه الإجراءات التعسفية ، التي تفترض فرضاً ، يتنافي مع أبسط قواعد المنطق ، وهو أن كل طالب غشاش ، إلي أن يثبت العكس ، وانعكاسات هذا الأثر، وامتداداته ، علي الطالب ، أثناء حياته التعليمية ، وبعد تخرجه . وهي فضيحة باعتبار اسلوب المعالجة المتبع ، حيث يقتصر الأمر علي تشديد إجراءات التفتيش كما أسلفنا ، بالإضافة إلي الإنكار والنفي والتزام الصمت المطبق ، ثم الإعتراف والإقرار وإعلان تتبع أصحاب الصفحات علي مواقع التواصل ، وإعلان القبض عليهم ، وإحالتهم للمحاكمات العاجلة . والجديد هذا العام تغليظ العقوبة ، والوصول بها إلي حد السجن . وإلغاء امتحان التربية الدينية ، وتأجيله إلي وقت لاحق ، رغم أن التسريب جري مع مادتين هما : التربية الدينية ، ولا تضاف درجاتها إلي مجموع درجات النجاح ، واللغة العربية وهي مادة تمثل أعلي الدرجات المضافة إلي المجموع ، ولم يتم إلغاء امتحانها وتأجيله كالتربية الدينية ، دون سبب واضح معقول يمكن قبوله . وهي فضيحة باعتبار عدم جاهزية الوزارة لمواجهة هذا الظرف الطارئ المتوقع حدوثه ، بتجهيز أوراق أسئلة ، ونماذج إجابة إحتياطية ، يجري استخراجها من مكامنها المخبأة فيها ، ودفعها للجان علي نحو سري وفوري لتجنب الوقوف عليها وتسريبها هي الأخري . فإن كانت هذه النماذج الإحتياطية موجودة ، وعجزت الوزارة ـ لسبب أو لآخر ـ عن الإلتجاء إليها ، فالفضيحة أعظم . وهي فضيحة باعتبار أنها في هذه المرة يصعب إلصاقها بالطلاب ، كما في كل مرة ، لأن تسريب نموذج الإجابة هذه المرة ، يفصح عن موضع الخلل بلا مواربة . فالخلل هذه المرة داخل اللجان في قلب الوزارة ، وفي مطبخ صناعة الأسئلة ، ووضع نماذج الإجابة لها ، لأن نموذج الإجابة يذهب إلي لجان التصحيح ، وليس لجان الإمتحانات ، وتسريب هذا النموذج يعني ببساطة ، أن الأمر مقصود ، ويستهدف إحداث تلك الفضيحة المدوية ، بقصد إحراج النظام السياسي ، وإظهاره بمظهر العاجز عن السيطرة ، وإحكام الرقابة علي مؤسسة الدولة . وهذا وإن كان غير صحيح ولا واقعي ، إلا أن الواقعة في ذاتها ، تعطي الإنطباع ولو كاذباً بهذا . وكان يتعين علي وزارة التعليم أن تتحرز لذلك ، وألا تقع في هذا القصور ، وذاك التقصير الفضيحة . وكان عليها أن تتحرر من ربقة الفاسدين والمؤدلجين بداخلها ، علي الأقل باستبعادهم من مثل هذه اللجان غير المؤتمنين عليها . ومن الخطأ تصور إقتصار نتائج هذا الحدث علي الوقائع المادية الظاهرة وحسب ، لأن النتائج تمتد إلي إحداث تشوهات نفسية وسلوكية لدي المواطن المصري ، تكون محصلتها النهائية كمخرجات مسوخ بشرية شائهة ، في كل مجال من مجالات الحياة . ومن الخطأ تصور أن المشكلة لدي الطالب ، لأن الطالب هو ابن لهذه البيئة بكل تشوهاتها الأخلاقية الحاكمة ، وهو يتصرف انطلاقاً منها ، وتأسيساً عليها . ولو كانت البيئة صالحة لتهيئة الطالب للرقابة الذاتية ، لما احتجنا إلي كل ذلك . ولو كان التعليم فيه من المتعة واللذة والألفة والتوافق ، لما احتجنا إلي رحلة العذاب التي تمارس ضد الطالب وولي أمره ، طوال سنوات تعليمه . ولما كانت مخرجات المنظومة التعليمية بهذا القدر من السوء والإنحطاط . ذلك هو الداء ، فهل من سبيل إلي وصف الدواء ، استعارته ؟ .
حــســـــــن زايـــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق