الثلاثاء، 7 يونيو 2016

ذو الـشـــــهـادتـــين بقلم الكاتب حسن زايد





ذو الـشـــــهـادتـــين
بـقـلـم / حــســـن زايـــــــــد
الشهادة لغة : مجموع ما يدرك بالحس . والشهادة : أن يُخبِر بما رأي . أو أن يُقِر بما علم . والشاهد من المشاهدة ، والشاهد من يؤدي الشهادة . وشاهد الشيء : رآه وعاينه . وشاهد المجلس حضره . ومن أركان الإسلام الخمسة النطق بالشهادتين : أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ . وفي التنزيل : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } . و : { وأشهدوا ذوي عدل منكم } . و : { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } . والشهادة لها شروط لابد من توافرها في الشاهد ليس هنا محل ذكرها . والأصل في الشهادة أن تكون من رجلين ، فإن لم يكن فرجل وامرأتان . ولا تصح الشهادة إلا بذلك ، أي لاتصح الشهادة بفرد مفرد . وقد صح ذلك لواحد في التاريخ الإسلامي كله ، شهد له الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأن في شهادته الكفاية . فمن هو ذلك الرجل صاحب الشهادتين ؟ . وما هي قصته ؟ . ذلك الرجل هو الصحابي الجليل خزيمة ابن ثابت رضي الله عنه . وقصته ترجع إلي وقت تدوين القرآن وجمعه . فقد كانت الآية من القرآن لا تكتب إلا بتوافر شرطين : الأول ـ أن تكون مكتوبة . الثاني : أن يكون هناك اثنان من الصحابة علي الأقل حافظين لها . وقد تحقق الشرطان في جميع آيات القرآن إلا واحدة ، فقد وجدت مكتوبة ، ولا يحفظها سوي صحابي واحد هو خزيمة ابن ثابت . وهي آية : " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالً صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ ، فَمِنْهُم مَّن قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ ، وَمَا بَدَّلُوُا تَبْدِيلاً . " . وكان القياس العقلي يقتضي عدم تدوين هذه الآية ضمن آيات القرآن ، إلا أن أحدهم ذكر أن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد قال : " من شهد له خزيمه فحسبه " . أي : كفاه ، ولا يحتاج إلي شاهد آخر معه ، فنصاب شهادته رجلين . فما هي العلة وراء اختصاص خزيمة بهذه الخصيصة ؟ . إن وراء الأمر قصة . فقد اشتري رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فرساً من أعرابي . فأسرع النبي وراءه كي يدفع له ثمن الفرس ، وأبطأ الأعرابي في خطواته . فأخذ الرجال يساومونه علي الفرس ، وهم لا يعلمون أن الرسول قد اشتراه . فنادي الأعرابي علي الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ قائلاً له : أتشتري الفرس أم أبيعه لغيرك . فقال النبي : أو ليس ابتعته منك ؟ . أي : ألم أشتره منك ؟ . قال الأعرابي : ما بعتكه . أي : لم أبعه لك . فقال الأعرابي : هلم شهيداً . أي : إئتني بشاهد . فقال خزيمة : أنا أشهد أنك بايعته . أي : أشهد أنك بعته له .
وبعد أن انصرف الناس ، أقبل النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي خزيمة قائلاً له : بم تشهد ؟ . أي : كيف شهدت علي هذا ولم تكن موجوداً وقت المبايعة . فقال خزيمة : بتصديقك يا رسول الله . أي شهدت بتصديقي لك . أنصدقك في كل ما تأتينا به من خبر السماء ، ونكذبك في هذه ؟ . فقال الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ " من شهد له خزيمة فحسبه " . فجعل الرسول بذلك شهادة خزيمة بشهادة رجلين . وأجاز له ذلك . ولما ذكر ذلك جري أخذ شهادة خزيمة بشهادة رجلين ، وجري تدوين الآية الكريمة . ومن هنا أطلق علي خزيمة ابن ثابت الأنصاري ، رضي الله عنه ، ذو الشهادتين . وتتبدي قيمة الشهادة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار . ولذا قال تعالي : ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ وقوله تعالي : ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ . وكذا قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث عن عبدالرحمن بن أبي بَكرة ، عن أبيه ، قال : " كنَّا عند رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((ألا أُنَبِّئُكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور - أو قول الزور))، وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم – مُتَّكِئًا ، فجلَس ، فما زال يُكرِّرها ؛ حتى قلنا : ليتَه سَكَتَ " رواه مسلم، باب بيان الكبائر. أما شهود اليوم الذين يعرضون شهادتهم للبيع أو الإيجار أو المجاملة ، فلا شك أن حسابهم علي الله . وهم يمثلون خلايا سرطانية تنهش في جسد المجتمع نهشاً يستعصي علي الشفاء . إلا من رحم ربي .
حـســـن زايـــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق