الخميس، 17 ديسمبر 2015

تآكل الأمن القومي المصري بقلم الكاتب حــســــن زايــــــــــد


تآكل الأمن القومي المصري


لقد ورث مبارك عن أنور السادات مصر محاصرة عربياً ، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، وتشكيل جبهة الصمود والتصدي . ومصر بحكم موقعها ليست دولة انكفائية ، ولا يمكن أن تتقوقع في إطار حدودها الجغرافية ، لأن أمنها القومي يمتد إلي خارج حدودها الجغرافية ، فيما يعرف بالحدود الجيوسياسية . ولما كانت هناك قوي إقليمية ودولية تتعارض مصالحها مع أخذ مصر حقها الطبيعي في ريادة إقليمها ، بحكم التاريخ ، والجغرافيا ، وعدد السكان ونوعيتهم ، وإمكانياتها الإقتصادية ومواردها الطبيعية ، فلابد أن تظل مصر ـ وفقاً لهذه المصالح ـ رجلاً مريضاً . والرجل المريض هو الذي لا يرجي شفاؤه ، فلا يهزمه المرض فيموت ، ولا يشفي منه فينهض . وهو بذلك يستمر دائماً محتاجاً إلي غيره . فبعد مرحلة المد القومي المصري خلال ستينيات القرن الماضي ، حيث امتد النفوذ المصري في عرض العالم العربي وطوله ، وتوغل في أفريقيا ، بل وامتد إلي القارة الأمريكية ، والقارة الأسيوية ، ضرب المشروع بضرب مصر في 1967 م ، حتي تنكفيء علي نفسها ، وتنشغل بأمورها ، ولا تتعدي حدودها الجغرافية . بعدها جاء الرئيس السادات ليضع 99% من أوراق اللعب في يد الأمريكان . وقد بدأ عهد مبارك باغتيال رأس الدولة ، وانتشر الإرهاب بانتشار عناصر الجماعة الإسلامية ، وجماعة الجهاد في ربوع مصر . ولم يشفع للنظام سماحه لجماعة الإخوان الإنخراط في العمل السياسي من خلال التحالف مع الأحزاب الشرعية القائمة ، بل وتركه ساحة العمل الإجتماعي والنقابي ليرتعوا فيها بديلاً للدولة . فإرتضي النظام لمصر أن تنكفيء علي نفسها ، مكتفياً بالدور الإقليمي الذي سمحت له به أمريكا من خلال التودد لها ، فاقداً بذلك البعد العربي ، والبعد الأفريقي ، والبعد الأسيوي لمصر . وقد بدأ التآكل الحاد الذي أفضي في النهاية إلي تقزيم مصر ، وانحسار نفوذها ، وفقدان دورها ، بعدما تقلص نفوذها إلي حده الأدني في المشرق العربي بعد حرب الخليج الأولي ، وفرض الحصار الإقتصادي علي الدولة العراقية . ثم امتد التدهور إلي عنصر آخر من عناصر الأمن القومي وهو منطقة مدخل البحر الأحمر ، حيث اندلعت الحرب الأهلية في الصومال ، وباندلاعها تهدد أمن القرن الأفريقي كله . ولم تفق مصر من تلك الصدمة حتي لطمتها صدمة أخري ، بالمجازر التي وقعت في رواندا وبروندي ، علي ضفاف بحيرة فيكتوريا ، حيث منابع النيل ، ونتيجة تلك المجازر كانت لصالح قبائل التوتسي حلفاء الأمريكان واسرائيل ، علي حساب قبائل الهوتو حلفاء مصر ، الأمر الذي يمثل تهديداً مباشراً لشريان الحياة في مصر ، منابع النيل . وقبل أن يغمض لمصر جفن افاقت علي قيام إريتريا باحتلال جزيرة حنيش الكبري التابعة لليمن ، بإيعاز من إسرائيل ، وهو مما زاد الطين بلة ، ومثل تهديداً إضافياً لأمن البحر الأحمر . وفي السودان ، في زمن الإخوان ـ البشير / الترابي ـ جري فصل جنوب السودان عن شماله ، وقد جري إثارة القلاقل في غرب السودان ، حيث إقليم دار فور الغني بالنفط ، تمهيداً لفصل الغرب كما انفصل الجنوب . وقد جري العبث بالمنطقة الشرقية للسودان ، التي تعد إمتداداً لجنوب مصر ، تمهيداً لفصلها كذلك . هذا ما جري في الإتجاه الجنوبي لمصر . أما من جهة الغرب فقد قامت أمريكا والغرب بفرض حصار إقتصادي علي الجماهيرية العربية الليبية بسبب قضية لوكيربي ، وهو ما يمثل حائط صد في مواجهة مصر من جهة الغرب في اتجاه شمال أفريقيا . ولم يجر فك الحصار إلا بعد تقديم القذافي للقرابين ممثلة في تسليم ضابطي المخابرات الذين نفذوا تفجير الطائرة المدنية فوق لوكيربي ، وتسليم معدات وأجهزة متعلقة بالطاقة النووية ، وإفشاء سر عبد القدير خان عالم الذرة الباكستاني ، وأبو القنبلة النووية الإسلامية . وقد ترافق مع ذلك كله إتفاق الدول المشاطئة للنيل علي تعديل الحصص المقررة لهم من مياه النيل ، والحصول علي حصص أكبر ، وذلك بمعزل عن مصر والسودان . أضف إلي ذلك ما حدث علي الجبهة الشرقية المصرية ، حيث جري زرع حماس في غزة علي الحدود المصرية، وهي الذراع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ، لإحداث حالة من التململ والقلق علي الحدود المصرية بفعل هذه الجماعة . وشق الصف الفلسطيني في الداخل بما يضمن بقاء هذه القضية بلا حل حتي يجري تصفيتها علي مهل . وقد تحولت الحدود المصرية الغزاوية إلي غربال بفعل الأنفاق . وقد قامت حماس باستدعاء إيران تحت زعم دعم المقاومة ، وهي المنافس التقليدي لمصر علي ريادة المنطقة وقيادتها . وهكذا ، وفي غفلة من القيادة السياسية وجدنا حدود الأمن القومي المصري متآكلة ، ونحن قد انشغلنا في الداخل بسفاسف الأمور ، وبالصراعات الوهمية للحزب الوطني ، ولجنة السياسات ، ومباراة الجزائر ومصر ، وسيطرة أصحاب الأعمال علي الحكم ، وصراعاتهم حول هذا المحور ، والتنافس في التنظير لقضية التوريث ، والحج إلي البيت الأبيض دون غيره من عواصم العالم ، أما المشاركة في الفاعليات الإقليمية أو الدولية ، فهي مشاركات بروتوكولية من باب مجرد التمثيل الشكلي . وفي الداخل تفرغنا لإدارة منظومة الفساد المهيمنة علي مقدرات البلاد . واستمر هذا الوضع حتي اتسع الفتق علي الرتق ، وجاء الرئيس الحالي وورث هذه التركة الثقيلة الملغومة بكوادر إرهابية كارهة للحياة . وهنا يبرز السؤال : كم من الوقت يستغرق رقع هذا الثوب المهتريء ، حتي يستر عورتنا ، ويداري سوأتنا ؟ . خاصة في ظل وجود القوي الكارهة في الداخل ، والخارج ؟ ! .
حـــســــــن زايــــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق