حـــــرب الأســـــعـــار
بـقــلـم / حــســـن زايـــــــد
بعضنا ـ ممن عمت بصائرهم ـ يتوهم ، أن الحرب الشعواء ، التي تشن علي الشعب المصري ، من خلال رفع أسعار السلع والخدمات ، وتفريغ جيبه من النقود ، ستدفع بهذا الشعب إلي ثورة جياع ، لا تبقي ولا تذر ، ولا تدع في البلد حجر علي حجر .
وقد دفعهم جهلهم بالتاريخ إلي مثل هذا التوهم ، الذي هو أقرب إلي التمني منه إلي الحقيقة العلمية .
فلم يرصد التاريخ المصري ـ منذ فجر التاريخ وحتي اليوم ـ ثورة جياع ، بين أبناء هذا الشعب .
ولعل الأجيال الحالية لم تشهد ما شهدته مصر ـ إقتصادياً ـ في أعقاب هزيمة يونية 1967 م ، وحتي حرب أكتوبر 1973 م . فبخلاف أن مصر كانت تعيش في ظل اقتصاد دولة من دول العالم الثالث ، دخلت الحرب ، وتحول إقتصادها إلي اقتصاد حرب ، بقصد تجهيز جيش منهزم فقدعتاده كله في صحراء سيناء ؛ لتحرير الأرض المغتصبة ، واسترداد الكرامة .
ولم يربط الشعب المصري الأحزمة علي البطون فحسب ، وإنما واجه بجسارة اختفاء سلع أساسية من الأسواق ، كما واجه تدني مستوي الخدمات . كل ذلك بطيب خاطر دون تذمر أو احتجاج ، من أجل مواجهة أعباء المعركة ومتطلباتها .
ونحن اليوم نخوض معركة وجود أشد وأنكي ، نري ـ لمن ينكرها متهكماً ـ سيناريوهاتها ، تجري وقائعها ، بالصوت والصورة علي الأرض ، في دول ملاصقة لنا ، حيث اختفاء الدولة ، وظهور المليشيات المسلحة ، في صراع هزلي ، حول العدم .
وخروج بعض الفئات في أحداث 18 ، 19 يناير 1977م ، لم تكن خروجاً للجياع ، وإنما مظاهرات احتجاجية في مواجهة رفع أسعار بعض السلع .
إذن لم يؤثر عن الشعب المصري قيامه بثورة جياع ، والذين يراهنون علي ذلك رهانهم خاسر لا محالة . فقد بنوا الرهان علي أن إحداث الإختلالات الإقتصادية ـ ومن بينها الأسعار ـ سيقضي حتماً قضاءًا مبرماً ، علي شعبية الرئيس السيسي .
ولم ينتبه الداعون والمحرضون علي هذه الثورة ـ سواء بالدعوة إلي انتخابات مبكرة ، أو عدم ترشح الرئيس لفترة ثانية ، وهم تحت مظلة هاتين الدعوتين يبثون السم الزعاف ، باعتبار ذلك الهدف الخفي من وراء مثل هذه الدعوات ـ إلي أنه ، إذا كانت شعبية السيسي قد انخفضت ، فهم لا شعبية لهم ، وأن كبيرهم قد فشل في منازلة الأصوات الباطلة علي المركز الثاني ، في آخر انتخابات رئاسية ، والآخر قفز من المركب ، وجلس يداعب المصريين بتويتات علي موقع تويتر . والبقية الباقية عيال علي هذين المدعوين .
لا أقول هذا دفاعاً عن السيسي ، ولا انتصاراً لنظامه ، ولا إعتذاراً عنه ، وإنما أقوله دفاعاً عن الدولة المصرية ، خاصة وأنني لا أجد من بينهم من هو مؤهلاً لقيادتها في ذلك الظرف التاريخي الحرج الذي تمر به مصر والمنطقة .
ولوكنا موضوعيين حقاً لأدركنا ـ دون جهد ـ أن السيسي قد ورث جهاز بيروقراطي مترهل ، وترسانة عقيمة من التشريعات المتضاربة ، وعدد من المسئولين الذين يمثلون حواجزخرسانية بين الشعب والنظام ، وبعض رجال الأعمال الذين يغسلون أموالهم ، ولا يلتزمون بآداء ما عليهم من التزامات ضريبية ، والسعي وسع الطاقة لتحقيق مصالحهم الخاصة ، وبعض القوي الإحتكارية الضاغطة التي تتحكم في الأسعار، وتتلاعب فيها لأغراض سياسية ، وسماسرة العملة ـ بيوت الصرافة ـ وتهريبها إلي الخارج ، والحيلولة دون دخولها .
كل هذا ورثه الرئيس . ثم إذا به يواجه كل هذا الموروث ، مضافاً إليه الإخوان والسلفيون والإشتراكيون الثوريون ، إلي جانب أمريكا وبعض دول الإتحاد الأوربي ، وتركيا وقطر .
ومع ذلك يحاول الرجل الدخول بالبلاد إلي معترك المشروعات القوميةالعملاقة ، باعتبارها السبيل الوحيد للإفلات من السقوط في هوة الإقتصاديات الإستهلاكية المتهافتة .
فهل ينفي كل ذلك ظاهرة انفلات الأسعار ؟ وعجز الحكومة عن السيطرة عليها ؟ .
بالقطع لا . فهناك ارتفاع غريب في الأسعار ، قد يفوق السعر العالمي في بعض صوره ، ولكن الموضوعية تقتضينا القول بأن السيسي ليس وراء ارتفاع الأسعار ـ ولو جاء غيره لأغرق سفينة البلاد بدلا من محاولات تعويمها ـ وإنما هناك أسباب أخري منها :
ـ جشع التجار ـ بمستوياتهم ـ وضغط القوي الإحتكارية الضاغطة ؛ للوصول بالأسعار حدود التصور من الإشتعال الذي لا يخمد أواره . ـ ونهم المستهلك ، ورغبته الجامحة في شراء السلع ـ المأزومة ـ وتخزينها ، حلا لمشكلته ، ولو أدي ذلك إلي تفاقم الأزمة .
ـ قيام المحتكرين بتعطيش الأسواق وتجويعها ؛ بقصد رفع الأسعار؛ لتحقيق أقصي ربح ممكن .
ـ الفروق في أسعار العملة ، ما بين الجنيه المصري والعملات الأخري ، وبدلا من اقتصار رفع السعر علي السلع المستوردة تمتد عدواه إلي المنتج المحلي ، حتي مستوياته الدنيا .
ـ الدور السلبي للإعلام المصري في الترويج لقضية انفجار الأسعار ، بتغطيته علي مستوي الإستطلاع بالكاميرا ، أو تلقي الإتصالات أو المناقشات ، وقد أشاع ذلك فاحشة التوحش في الإرتفاع بالأسعار إلي الحدود المرضية غير المحتملة .
وفي النهاية لابد أن ندرك أن حرب الأسعار لا تستهدف الرئيس السيسي ، وإنما تستهدف المجتمع والدولة المصرية ، والقضاء علي الدولة عن طريق الحروب الإقتصادية . فهل يعني ذلك الإستسلام لهذه الحرب ، ورفع الراية البيضاء في مواجهة من يريد كسر إرادتنا ؟ . بالقطع لا .
البعض ينادي بضرورة تدخل الدولة لفرض التسعيرة الجبرية ، وقد نسي هذا البعض أن مصر موقعة علي اتفاقية التجارة الحرة" الجات " التي تحول بينها وبين ذلك .
ولكن يمكن التدخل في وضع حد لهامش الربح .
ونحن نري قيام الدولة بتدبير الموارد اللازمة لقيامها بالإستيراد ، أو الشراء من السوق المحلي ، ودخولها كمنافس بشكل فعال ومؤثر ، وتشجيع مستثمرين جدد بدخول مجال المنافسة ، مع القضاء علي الممارسات الإحتكارية .
أما عن دور المجتمع في مواجهة هذه الحرب ، فليس مطلوباً منه سوي استدعاء مخزونه التاريخي ، وتفويت الفرصة علي أعداء الدولة المصرية في الداخل والخارج . حتي تمر مصر من هذا المأزق التاريخي الصعب . فهل نحن فاعلون ؟ .
حــســــن زايـــــــــد
وقد دفعهم جهلهم بالتاريخ إلي مثل هذا التوهم ، الذي هو أقرب إلي التمني منه إلي الحقيقة العلمية .
فلم يرصد التاريخ المصري ـ منذ فجر التاريخ وحتي اليوم ـ ثورة جياع ، بين أبناء هذا الشعب .
ولعل الأجيال الحالية لم تشهد ما شهدته مصر ـ إقتصادياً ـ في أعقاب هزيمة يونية 1967 م ، وحتي حرب أكتوبر 1973 م . فبخلاف أن مصر كانت تعيش في ظل اقتصاد دولة من دول العالم الثالث ، دخلت الحرب ، وتحول إقتصادها إلي اقتصاد حرب ، بقصد تجهيز جيش منهزم فقدعتاده كله في صحراء سيناء ؛ لتحرير الأرض المغتصبة ، واسترداد الكرامة .
ولم يربط الشعب المصري الأحزمة علي البطون فحسب ، وإنما واجه بجسارة اختفاء سلع أساسية من الأسواق ، كما واجه تدني مستوي الخدمات . كل ذلك بطيب خاطر دون تذمر أو احتجاج ، من أجل مواجهة أعباء المعركة ومتطلباتها .
ونحن اليوم نخوض معركة وجود أشد وأنكي ، نري ـ لمن ينكرها متهكماً ـ سيناريوهاتها ، تجري وقائعها ، بالصوت والصورة علي الأرض ، في دول ملاصقة لنا ، حيث اختفاء الدولة ، وظهور المليشيات المسلحة ، في صراع هزلي ، حول العدم .
وخروج بعض الفئات في أحداث 18 ، 19 يناير 1977م ، لم تكن خروجاً للجياع ، وإنما مظاهرات احتجاجية في مواجهة رفع أسعار بعض السلع .
إذن لم يؤثر عن الشعب المصري قيامه بثورة جياع ، والذين يراهنون علي ذلك رهانهم خاسر لا محالة . فقد بنوا الرهان علي أن إحداث الإختلالات الإقتصادية ـ ومن بينها الأسعار ـ سيقضي حتماً قضاءًا مبرماً ، علي شعبية الرئيس السيسي .
ولم ينتبه الداعون والمحرضون علي هذه الثورة ـ سواء بالدعوة إلي انتخابات مبكرة ، أو عدم ترشح الرئيس لفترة ثانية ، وهم تحت مظلة هاتين الدعوتين يبثون السم الزعاف ، باعتبار ذلك الهدف الخفي من وراء مثل هذه الدعوات ـ إلي أنه ، إذا كانت شعبية السيسي قد انخفضت ، فهم لا شعبية لهم ، وأن كبيرهم قد فشل في منازلة الأصوات الباطلة علي المركز الثاني ، في آخر انتخابات رئاسية ، والآخر قفز من المركب ، وجلس يداعب المصريين بتويتات علي موقع تويتر . والبقية الباقية عيال علي هذين المدعوين .
لا أقول هذا دفاعاً عن السيسي ، ولا انتصاراً لنظامه ، ولا إعتذاراً عنه ، وإنما أقوله دفاعاً عن الدولة المصرية ، خاصة وأنني لا أجد من بينهم من هو مؤهلاً لقيادتها في ذلك الظرف التاريخي الحرج الذي تمر به مصر والمنطقة .
ولوكنا موضوعيين حقاً لأدركنا ـ دون جهد ـ أن السيسي قد ورث جهاز بيروقراطي مترهل ، وترسانة عقيمة من التشريعات المتضاربة ، وعدد من المسئولين الذين يمثلون حواجزخرسانية بين الشعب والنظام ، وبعض رجال الأعمال الذين يغسلون أموالهم ، ولا يلتزمون بآداء ما عليهم من التزامات ضريبية ، والسعي وسع الطاقة لتحقيق مصالحهم الخاصة ، وبعض القوي الإحتكارية الضاغطة التي تتحكم في الأسعار، وتتلاعب فيها لأغراض سياسية ، وسماسرة العملة ـ بيوت الصرافة ـ وتهريبها إلي الخارج ، والحيلولة دون دخولها .
كل هذا ورثه الرئيس . ثم إذا به يواجه كل هذا الموروث ، مضافاً إليه الإخوان والسلفيون والإشتراكيون الثوريون ، إلي جانب أمريكا وبعض دول الإتحاد الأوربي ، وتركيا وقطر .
ومع ذلك يحاول الرجل الدخول بالبلاد إلي معترك المشروعات القوميةالعملاقة ، باعتبارها السبيل الوحيد للإفلات من السقوط في هوة الإقتصاديات الإستهلاكية المتهافتة .
فهل ينفي كل ذلك ظاهرة انفلات الأسعار ؟ وعجز الحكومة عن السيطرة عليها ؟ .
بالقطع لا . فهناك ارتفاع غريب في الأسعار ، قد يفوق السعر العالمي في بعض صوره ، ولكن الموضوعية تقتضينا القول بأن السيسي ليس وراء ارتفاع الأسعار ـ ولو جاء غيره لأغرق سفينة البلاد بدلا من محاولات تعويمها ـ وإنما هناك أسباب أخري منها :
ـ جشع التجار ـ بمستوياتهم ـ وضغط القوي الإحتكارية الضاغطة ؛ للوصول بالأسعار حدود التصور من الإشتعال الذي لا يخمد أواره . ـ ونهم المستهلك ، ورغبته الجامحة في شراء السلع ـ المأزومة ـ وتخزينها ، حلا لمشكلته ، ولو أدي ذلك إلي تفاقم الأزمة .
ـ قيام المحتكرين بتعطيش الأسواق وتجويعها ؛ بقصد رفع الأسعار؛ لتحقيق أقصي ربح ممكن .
ـ الفروق في أسعار العملة ، ما بين الجنيه المصري والعملات الأخري ، وبدلا من اقتصار رفع السعر علي السلع المستوردة تمتد عدواه إلي المنتج المحلي ، حتي مستوياته الدنيا .
ـ الدور السلبي للإعلام المصري في الترويج لقضية انفجار الأسعار ، بتغطيته علي مستوي الإستطلاع بالكاميرا ، أو تلقي الإتصالات أو المناقشات ، وقد أشاع ذلك فاحشة التوحش في الإرتفاع بالأسعار إلي الحدود المرضية غير المحتملة .
وفي النهاية لابد أن ندرك أن حرب الأسعار لا تستهدف الرئيس السيسي ، وإنما تستهدف المجتمع والدولة المصرية ، والقضاء علي الدولة عن طريق الحروب الإقتصادية . فهل يعني ذلك الإستسلام لهذه الحرب ، ورفع الراية البيضاء في مواجهة من يريد كسر إرادتنا ؟ . بالقطع لا .
البعض ينادي بضرورة تدخل الدولة لفرض التسعيرة الجبرية ، وقد نسي هذا البعض أن مصر موقعة علي اتفاقية التجارة الحرة" الجات " التي تحول بينها وبين ذلك .
ولكن يمكن التدخل في وضع حد لهامش الربح .
ونحن نري قيام الدولة بتدبير الموارد اللازمة لقيامها بالإستيراد ، أو الشراء من السوق المحلي ، ودخولها كمنافس بشكل فعال ومؤثر ، وتشجيع مستثمرين جدد بدخول مجال المنافسة ، مع القضاء علي الممارسات الإحتكارية .
أما عن دور المجتمع في مواجهة هذه الحرب ، فليس مطلوباً منه سوي استدعاء مخزونه التاريخي ، وتفويت الفرصة علي أعداء الدولة المصرية في الداخل والخارج . حتي تمر مصر من هذا المأزق التاريخي الصعب . فهل نحن فاعلون ؟ .
حــســــن زايـــــــــد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق