السبت، 11 يونيو 2016

(إنمـا الأمـم الأخـــلاق ) بقلم الكاتب حسن زايد





مقال هذا الاسبوع للكاتب الكبير/ حسن زايد
بعنوان (إنمـا الأمـم الأخـــلاق )
الأخلاق هي حال للنفس راسخة ، تصدر عنها الأفعال ، سواء أكانت أفعال خير أو أفعال شر ، وذلك بسهولة ويسر ، دون حاجة إلي تفكير أو روية . ومعني أن الأفعال تصدر دون تفكير أو روية ، أنها منطبعة في النفس مجبولة عليها ، كأنها تصدر ذاتياً . فهي صورة للنفس الجوانية الباطنة تنعكس تلقائياً علي الهيئة الخارجية للسلوك . وقد تكون تلك الصورة طبيعية من أصل المزاج ، وقد تكون مكتسبة بالعادة والمران والتدريب من العالم الخارجي ، ومع الإستمرار صارت ملكة للنفس وخلقاً . ولا ريب أن انطباق الصورة الجوانية مع الصورة الخارجية يدل دلالة واضحة علي الإستقامة مع النفس والإنسجام معها . ويحدث الإضطراب داخل النفس حين يقع الفصام ما بين الداخل والخارج ، ما بين الجواني والبراني ، فيكون ما هو خارج النفس بخلاف المطمور داخلها . والأخلاق تعكس ثقافة المجتمعات والشعوب وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق مجتمع ما أو شعب ما ، تعلو حضارته وتلفت الأنظار إليه ، وبقدر ما تنحط أخلاقه وتضيع قيمه ، تنحط حضارته ، وتذهب هيبته ، وكم سادت أمم ولو كانت كافرة ، وعلت على غيرها ، بتمسكها بمحاسن الأخلاق . مثل روسيا والصين وغيرهما . وكم ذلت أمم ولو كانت مسلمة ، وضاعت وقهرت بتضييعها لتلك الأخلاق . كمعظم الدول العربية ، ومن بينها مصر . يقول أحمد شوقي رحمه الله : " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا " . ومن هنا عُدَّت الأخلاق معياراً يمكن الرجوع إليه ، والإستناد عليه ، للحكم علي الشعوب والأمم . وقد يُرجِع البعض وجود الأخلاق أو انعدامها إلي وجود الدين أو انعدامه ، باعتبار أن الأخلاق مصدرها الرئيس هو الدين . وهذا يخالف حقيقة واقعة أشرنا إليها آنفاً ، وهي أن هناك أمم سادت رغم كونها كافرة ،أو متعددة الديانات ، غير أنها تمسكت بمكارم الأخلاق كالهند مثلاً .إذن فالمسألة ليست لها علاقة بالدين إلا من زاوية واحدة وهي التمسك بمكارم الأخلاق يواكبه ويصاحبه التمسك بالدين باعتبار وحدة الهدف . وهذا يحدد لنا أسلوب معالجة الإنحطاط الأخلاقي الذي تعاني منه مجتمعاتنا رغم وجود الدين . فالعلاج ليس بزيادة جرعات الدروس الدينية ـ وإن كانت الدروس مطلوبة وضرورية ولكن في إطار آخر ـ لأن مثل هذه الجرعات تواجه الغلو في الإنحطاط بالغلو في التطرف ، فتكون النتيجة مسوخ بشرية شائهة ، ليس لها من التدين سوي الشكل ، وهي مخوخة من الداخل أخلاقياً . لأن العلاج لم ينصب علي الجانب الأخلاقي ، وإنما انصب علي الجانب الديني . فهل معني ذلك أن الأخلاق لا يلزمها دين ؟ . بالقطع الأخلاق يلزمها دين ليمثل لها البوصلة والمرجعية . وكذا فإن الدين يلزمه أخلاق كي يُحْسَن استقباله علي النحو الصحيح ، ويكون له في النفس أثراً . ولكن لابد من تحديد اتجاه العلاج ، هل هو للجانب الديني أم للجانب الأخلاقي ؟ . أنا أتصور أن العلاج يبدأ من الجانب الأخلاقي ، أما الدين فإنه موجود ، وليس أمامه سوي تهيئة النفوس لاستقباله علي نحو صحيح . وقد قلنا أن الإشكالية في الجانب الأخلاقي هي في عدم انطباق الصورة الداخلية الجوانية ، مع الصورة الخارجية البرانية ، لأن عدم الإنطباق يُحدِث اضطراباً وخللاً في الشخصية يجعلها تتصرف علي نحو منحرف . وهذا الإنحراف يدفع إلي المجتمع بقيم منحرفة مثل الكذب والنفاق والرياء والمراءاة والممالئة والإنتهازية والغش والسرقة والوساطة والمحسوبية والتملق والتزييف والإختلاق ، والنصب ، والإحتيال . تجد هذه الظواهر في الممارسات اليومية ، والمعاملات ، والمصاهرات ، والصداقات ، والطقوس الدينية ، وعلاقات الدم ، بل وحتي في الحب . فكيف نصل إلي حالة التطابق النسبي بين ما هو مطمور في النفس من أصل الطبيعة / الفطرة ، وما جري اكتسابه بحكم العادة والدربة من جانب ، والسلوك الصادر عن هذه الصورة من جانب آخر ؟. بالقطع لن نذهب مع الإفتراض المستحيل القائل بالتخلص من البشر الموجودين الحاملين لآفة الإنحطاط الأخلاقي ، ثم نبدأ مع جيل جديد لم تصبه الآفة بعد ، لأنه ليس هناك حد فاصل للتدفق البشري المتوالي علي مدار الفمتو / ثانية ، ومن ثم فليس هناك جيل جديد ، وجيل قديم . وإلف العادة والدربة لهما انتشار فيروسي معدي بمعدلات فائقة ، خاصة في ظل خمول مطمور النفس من أصل الطبيعة / الفطرة في مثل هذه البيئات الموبوءة . ثم من هي تلك الفئة التي نجت من الإصابة التي ستقوم بتنفيذ هذا الفصل بين الأجيال لو كان متاحاً ؟ . ومن هنا جري استبعاد هذا الفرض . الفرض الآخر يقول بالعلاج علي الوضع الراهن ، أي حمل الأجيال الحاضرة حملاً علي التخلص من حالة الإنحطاط الأخلاقي السائدة ، وإعادة بناء الجسور بين الصورة الجوانية للشخص وهيئته الخارجية حتي يستقيم مع نفسه ، ويتناغم مع ملكاته ، وينعكس ذلك علي سلوكه وتصرفاته . كيف يتأتي ذلك ؟ . لا يتأتي ذلك إلا بالتخلص من التشريعات التي تمثل زوائد دودية متورمة ، وإصلاح التشريعات التي بها عوار أو نقص أو عيوب . وسن تشريعات جديدة تتوائم مع الهدف والغاية . ثم فرض سيادة القانون علي الجميع بلا استثناءات مخلة ، بحزم وقوة وسرعة ناجزة ، وألا يكون هناك من هو في مأمن من العقوبة ، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب . عندئذ ، وعندئذ فقط ، تنصلح منظومة القيم الأخلاقية ظاهراً وباطناً ، ومعها ينصلح حال المجتمع ، ويتطور ويسود ويكون له هيبة بين الأمم ، فهل إلي ذلك من سبيل ؟ ! .
حــســـــن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق