الأحد، 22 نوفمبر 2015

العبث بالقضية الفلسطينية بقلم الكاتب حسن زايد

العبث بالقضية الفلسطينية
عبث بالأمن القومي
لا ينكر عاقل أن القضية المحورية للعالم العربي ، هي قضية فلسطين . ذلك البلد العربي الذي تم حذفه من الخريطة الدولية ، وتشريد شعبه إلي خارجه ليعيش في الشتات ، والإتيان بشعب آخر، تم جمعه من الشتات والتيه ، ليحل محل صاحب الأرض الوطن والدولة . وقد حدث ذلك في ظرف تاريخي غاية في السوء ، حيث كانت الدول العربية ترزح تحت نير الإحتلال الغربي . والدول العربية ـ فضلاً عن انشغالها بمصائبها الداخلية ـ لم تكن تملك جيوشاً بالمعني الكلاسيكي ، كي تدافع عن نفسها . دعك من قضية الأسلحة الفاسدة ، فقد طال أدلة ثبوتها الفساد . ودعك أيضاً من قضية قوة الجيوش العربية ، لأنه لم يكن ليسمح لها بالتصدي للمشروع الإستعماري البديل . وقد فرض هذا المشروع واقعاً علي المنطقة . وقد جري ضرب المشروع القومي المصري مرتين : الأولي في 1956 م فيما عرف بالعدوان الثلاثي ، وقد كانت له أسبابه ، وأهدافه . فانجلترا كانت تستهدف ضرب ناصر بعد رحيلها عن مصر ، وفرنسا كانت تريد ضربه لتعويق مساعدته لثوار الجزائر ، واسرائيل خدمة لمشروعها التوسعي الذي لا يزال قائماً ومرسوماً علي حائط الكنيست الإسرائيلي حتي الآن . فاسرائيل فيما أعلم ، هي الدولة الوحيدة في العالم ، التي ليست لها خريطة ثابتة ونهائية حتي الآن . والسبب العام الذي جمع الثلاثة هو الرد علي قرار تأميم القناة ، ومحاولة استردادها . وفشل العدوان الثلاثي في تحقيق أهدافه المعلنة .وبقي الهدف الخفي وهو ضرب المشروع القومي العربي ، الذي كان يمثله ناصر . وقد جري ذلك في حرب 1967م ، بعد مشروع الوحدة مع سورية ، الذي كان يمثل نواة للمشروع القومي العربي ـ فيما عرف بالجمهورية العربية المتحدة ـ وقد جري تخريبه بأيدينا وبأيدي غيرنا . وبعد التئام الصف العربي لأول مرة في حرب 1973 م . جاءت مبادرة السلام المصرية الإسرائيلية ، واتفاقية كامب ديفيد ، بغض النظر عن فائدتها لمصر ، والتحاق بقية الدول العربية بالركب فيما بعد ذلك بسنوات ، جاءت كخنجر جري إعماله في الجسد العربي تقطيعاً وتمزيقاً وتفريقاً . ... إلي آخر الإنتكاسات العربية المروعة ، التي تترك جروحاً غائرة في الجسد العربي المنهك . ما يعنينا في الأمر هو أثر كل هذه الملمات والمصائب علي اهتمام العرب بقضيتهم المحورية :"قضية فلسطين " . لا ريب أن كل دولة قد انشغلت بنفسها بأكثر مما انشغلت بالقضية الفلسطينية . بل الأكثر من ذلك امتداد الإنشغال إلي بعض الفصائل الفلسطينية بذواتها ومصالحها الفصائلية عن قضيتها الأم ، وسبب ومبرر وجودها واستمرارها علي الساحة . وهنا تبرز حماس كأنموذج لهذا الإنفصام . دعك من الظروف التي نشأت فيها حماس ، والجهة التي دفعت بها إلي صدارة المشهد السياسي كمنافس ، وليس كمكمل ولا كمعضض لمنظمة فتح ، أو متحالف مع منظمات أخري ، أو أنها صنيعة الموساد ، فهي قضايا محل جدل . وإنما حماس منذ وجدت ، وقد شقت الصف الفلسطيني شقاً ، وتاجرت بكل شيء حتي الدم الفلسطيني ذاته . وقد مارست تجارة الأنفاق بكل موبقاتها . وعرف عنها أنها الذراع العسكري لجماعة الإخوان بتنظيمها الدولي . وترجع خطورة وأهمية هذا الإنتماء أنه يفسر لنا الموقف العقدي لحماس من قضية الوطن والأرض ، وبالتالي تفسير مواقفها السياسية المختلفة . فالأرض حفنة من التراب العفن ، والوطن هو وطن العقيدة . ومن هنا تنكر هؤلاء لنظام مبارك ، رغم ما قدمه لهم ، إبان ثورة يناير ـ بغض النظر عن موقف الشعب المصري من هذا النظام وثورته عليه ـ حيث انقلبوا عليه ، وهاجموا بلاده ، وأسهموا في الإنفلات الأمني ، وإقتحام السجون ، وتهريب أعضاء جماعتهم . فلو تصورت معي بعين محايدة أن الثورة قد فشلت ، فما الموقف الذي كان سيكون عليه هذا النظام من القضية الفلسطينية ؟. فهل تعمل حماس بذلك لصالح القضية ؟ . ثم ما جري تسريبه تلميحاً ، ثم تصريحاً ، علي لسان هيلاري كلينتون ، والرئيس محمود عباس ، من وجود مفاوضات بين الإخوان واسرائيل والأمريكان بشأن بيع جزء من سيناء لمصلحة قطاع غزة بمباركة حمساوية ، ألا ينهي ذلك علي القضية الفلسطينية إلي الأبد ؟. ثم ذهاب حماس لتوقيع اتفاق هدنة مع اسرائيل بمعزل عن باقي الفصائل الفلسطينية ، وموقف حماس من ثورة يونية في مصر ، والموقف العدائي المعلن من السيسي ونظامه ، وتقديم التمويل والتدريب والدعم اللوجستي لإرهابيي سيناء في مواجهة الجيش المصري ، بل ومشاركة عناصر من حماس في هذا النشاط ، هل يصب كل ذلك لصالح القضية الفلسطينية من وجهة نظر الفلسطينيين ؟ . ألا يعد ذلك عبثاً بالقضية ؟. ثم جاءت الأخبار تتري عن وجود مفاوضات سرية بين حماس واسرائيل بوساطة تركية قطرية سويسرية ، كما ينشط توني بلير في ذات الإتجاه ، بقصد انشاء دويلة حمساوية في غزة ، وترك الضفة الغربية وشأنها ، ولتمت القضية الفلسطينية ، وتضيع الأرض ، والوطن ، ضياعاً نهائيا ، بضياع أصحاب الحق فيهما . من المفهوم أن تركيا وقطر تفعلان ذلك من باب النكاية في مصر من ناحية ، وخدمة لإسرائيل من ناحية أخري . أما سويسرا وبلير فيعملان علي خدمة المشروع الصهيوني ، فالأولي عقد بها ـ في مدينة بازل ـ أول مؤتمر لليهود من أجل بحث إنشاء وطن قومي لهم سنة 1897 م . والثاني دولته أصدرت ما يعرف بوعد بلفور 1917 م . وقد يقول قائل : ما لنا وللقضية إذن ؟ . وهنا نقول بأن فلسطين تمثل عمقاً للأمن القومي المصري ، ولا يمكن تجاهلها في الحسابات المصرية ، فمجرد نجاح هذه المساعي يعني تحمل مصر لعبء ستة ملايين فلسطيني يقيمون في القطاع ، وتخلص اسرائيل من هذا العبلء الثقيل ، وإلقاءه علي كاهل مصر . فضلاً عن وجود سلطة حمساوية إخوانية معادية داعمة للإرهاب في سيناء . وانتهاء الحلم الفلسطيني إلي الأبد ، مع بقاء الحلم الصهيوني التوسعي قائماً . ولا ريب أن العبث بالقضية الفلسطينية علي هذا النحو يمثل عبثاً بالأمن القومي المصري في الأساس . فماذا نحن فاعلون ؟ .
حـســــــن زايــــــــــد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق